top of page
صورة الكاتبرياض بـدر

البحث عن الهوية



 

كي تقضي على او تنشر فكر معين (بغض النظر عن صحته او خطأه) يجب ان تعمل على نشره وترسيخه لمدة جيل تقريبا اي حوالي 20-25 سنة وذلك كي تترسخ مفاهيم وتوجهات يحددها المُخطط لهذا الفكر .

الحالة في العراق التي ظهرت ما بعد 2003 على أبواب مرحلة الجيل الأول اي تقريبا بحلول عام 2023 فمواليد 2003 هم الآن بعمر 20 سنة اي تقريبا قيادي واقصد يستطيع ان يعمل بل وفي محافظات وأقضية كثيرة يكون قد تزوج وانجب ايضا اي انه دخل معترك الحياة وصار يقود عائلة او عمل معين وفي بعض الظروف المواتية يقود مجموعة من الناس وعندما سيصل سنة الخامسة والعشرين قد يصل لمنصب سياسي او إداري عالي ويتحكم بوضع قوانين وخطط لتلك الإدارة.

الجيل الحالي بدت معالمه واضحة في اغلب توجهاتها ولا أقول كلها لكن الرئيسية منها بدأت تحدد سمات مرحلة ما بعد 2022 اي اقل من سنتين من الآن. جيل لا يؤمن بوطن (الشعارات في التظاهرات او الحوارات الإعلامية ليست مقياس للوطنية) كاره لعقيدته التي حكمته بطريقة الفساد والتنكيل والإذلال جيل يبحث عن هوية بعد ان اعتقد لفترة طويلة ان مذهبه او عقيدته هي المُخلص او المُنقذ له فإذا به يكتشف ولو في سر نفسه أنها كانت الوبال عليه. (هناك نوعين الأول وظف العقيدة لمصالحه الشخصية لا لأيمانه بها والآخر كفر بها لان قادتها أضروه)

الجيل بدأ يقارن منذ السنوات الثلاثة الأولى بعد الاحتلال الأمريكي وهذه الحالة يصل إليها اليائس من وضعه, يقارن ما بين ما مضى وما حل به, يقارن ما بين وضعه وما بين الآخرين من المجتمعات الأخرى (العولمة لها دور في وضوح المقارنة وتقريبها وتوفير سبل المفاضلة) فعندما يجد ان مقارنته لا تصب في صالح ما كان يقود اعتقاده ولا تتناسب مع طموحاته فستُحدِثْ له ردة فعل نفسية وقد بدأت بالفعل بالظهور علنا وتفجرت عام 2015 في العراق عندما رُفِعَت شعارات مناهضة للمرجعية الدينية ورموزها, وعندما تصل مرحلة معينة إذن هي ستكون الأساس لمنطلق مرحلة قادمة ولا رجوع عن الأولى حيث عبر العراقي في عام 2015 حاجز الخوف والرهبة من الأعلى (الدين والأخلاق تعتبر من الحواجز القوية التي تتطلب قوة لكسرها وعندها لن ترجع الامور كما كانت) فكان نتاج ذلك انتشار افضل و أوسع لأفكار الإلحاد والعلمانية او حتى في اخف صورها وهي العزوف عن الدين روحيا بل حتى طقسيا فصارت الطقوس إن تم تأديتها هي فرصة للاختلاط والتنفيس لا للتعبد (الأفكار التنويرية كانت قد بدأت شدتها تقريبا عام 2010 بعد انتشار مواقع التواصل بشكل كبير داخل المجتمع العراقي)

هذه الحالة مرت بها مجتمعات من قبل, منها في أوروبا وأمريكا اللاتينية كان نتائجها واضحة ليومنا هذا مع الأخذ بعين الاعتبار عامل التحضر العلمي, فنرى في أوروبا نهضة وثورة علمية بعد سقوط الكنيسة حيث كان الخزين العلمي والأدبي والحضاري القديم بشكل عام لم يُدمر بالكامل من قبل الكنيسة يقابله تفاهة فكرية في أمريكا اللاتينية مع بقاء الكنيسة مسيطرة في مفاصل كثيرة انتجت مجتمع متفكك بالكامل ينخره الفساد في كل مفاصله مع تمسك بالطقوس الدينية بشكل قل نظيره في العالم حيث غير الدين من جلده كي يبقى على قيد الحياة الى جانب الفساد باختلاق التبريرات  (تم خلق جمهوريات موز بتعمد  من قبل الولايات المتحدة منذ مطلع الأربعينيات من القرن الماضي وليومنا هذا)

تجلت ظاهرة الإفلاس الاجتماعي بأوضح صورها في العراق مؤخرا عندما عجزت المليشيات والأحزاب الحاكمة والتي اخترعتها وتدعمها جميعا بلا استثناء الولايات المتحدة بشكل عام وبطرق مباشرة وغير مباشرة, عجزت عن الإتيان او إنتاج اي شخصية قيادية تتمتع بكاريزما وحضور يشد انتباه الجماهير ويحصد تأييدها لتطرح فكرا قياديا يضع ولو خطة طريق للكارثة (الديمقراطية) التي حلت بالعراق منذ عام 2003 ولغاية يومنا هذا, إفلاس تام وكامل ومن كل الجوانب  يظهر بلا أدنى شك بان هذه المنظومة المختلقة أمريكياً لن يكون منها احسن مما كان فالإنجازات لا تشيدها الأقوال.

هذا الفشل ليست أسبابه مصالح مليشياوية أبدا فهذا الناتج وليس السبب, بل الفشل أسبابه كما ذكرت الإفلاس الفكري والكريزماتي ان يشغل الفراغ الذي تركه النظام السابق بشخصيات قيادية تحمل فكرا يطرح مشروع وطني لقيادة البلد وأن أخطأت في محاولات او تصورات كثيرة.

لقد كتب التاريخ, ان جميع الذين جاؤا بعد عام 2003 ما زالوا يبحثون عن شخصية تحكم العراق بأفضل من ذي قبل او على الأقل بنفس القوة.


تحيتي

مشاهدتان (٢)٠ تعليق

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page