
عندما تعلن أي دولة عن نيتها شن ضربات عسكرية إنتقامية او كجزء من رد عسكري سواء جواً او براً ضد عدوها فأنها تقوم بحسابات معينة.
سآخذ الشأن الإسرائيلي الإيراني كمثال حي مادامت لعبة القط والفأر مستعرة الان، كي أوضح كيف يتم اختيار نوعية الرد او الهجوم بحسابات دقيقة وليست بحساب الانتماءات والتمنيات العاطفية وفق منطق مقاهي المتقاعدين والعاطلين عن التفكير المبنية عليها وفيها شعوب المنطقة وذلك بسبب عقود من التجهيل والسذجنة بواسطة ولاة الأمور وادواتهم الإعلامية والامنية.
عند إقرار الرد لا سيما من قبل دول مثل إسرائيل او أعضاء حلف الناتو ردا على هجوم تعرضت له او تعرض له أحد حلفائهم فسيكون الرد مبني على عدة أمور غير عاطفية واغلبها غير معلن رغم انه ليس سريا، فالرد العسكري يجب ان لا يكون مجرد ردة كما يفعل نظام الملالي فحسب فهذه عملية خطرة جدا بل تكاد ان تكون دائما غير مجدية وتأتي بنتائج عكسية أحيانا كثيرة، لذا يجب ان يكون الرد ونوعيته وحجمه وفق حسابات استراتيجية دقيقة جدا لتعطي نتائج آنية وكذلك مستقبلية ثابتة غير منسية وهذا امر مهم يجب الانتباه له. فكما ذكرت ان حساب الضربات او الردود العسكرية لا يكون حسب مزاج الجمهور فهذه ضربات محسوبة لا يمكن الرجوع بها بعد تنفيذها او الاعتذار عنها ابدا.
يتم الاخذ بعين الاعتبار عدة أمور وسأحاول ذكرها جميعا وهي:
انتقاء وتقييم الأهداف, فاذا كان الغرض من الضربة إعاقة او تحجيم قدرة معينة للعدو او فقط الحد من توسع معين فستكون الضربة مركزة على تلك المفاصل المحددة سلفا وفق تقارير الاستخبارات التي تعمل مع تقارير الأقمار الصناعية والتجسس سواء الالكتروني او على الأرض كي تنقل صورة دقيقة جدا لواقع الامر فتصمم ضربات قادرة على انتاج المرجو من الضربة فعلى سبيل المثال نوعية التحصينات او حجمها كي يتم اختيار الأسلحة المناسبة كذلك قوتها وهذا يشمل مثلا ما نوع الصواريخ التي ستستخدم وهل ستستخدم الطائرات ام الصواريخ البالستية واي نوع من هذه الصواريخ ونوع الرؤوس التي ستحملها هذه الصواريخ (دول حلف الناتو الرئيسية فقط وروسيا هم الدول الوحيدة التي تملك هذه النوعية من الصواريخ أي القدرة على تغيير نوعية الرؤوس المحمولة بضمنها النووية ولا تملكها أي دولة أخرى فهي تعتبر أسلحة دمار شامل وتكون مسيرة لا عشوائية كما هو الحال في الصواريخ الإيرانية التي لا تحمل سوى مادة TNT وبقدرة تفجيرية بسيطة جدا).
2. عدم مهاجمة نقاط ضعف العدو، فهذه ستقوي نقاط ضعفه انما ضرب نقاط قوته لجعله يخسر كثيرا لا سيما معنوياته لأنها نقطة قوية يتباهى بها فتكون الخسارة عندها فادحة.
3. الحالة الاقتصادية، أي هل الضربة ستضر العدو اقتصاديا، ومدى تأثيرها العكسي اي على اقتصاد الدول المنفذة نفسها كأن تكون ضربة لدولة نفطية كبيرة وما تأثير هذه الضربات على أسعار النفط وهل ارتفاعها جراء الضربة سيؤثر على الدول المستوردة والسوق العالمي الخ من تأثيرات محتملة جراء الضربة العسكرية هذه فيتم أيضا اخذها بعين الاعتبار واقصد كحسابات ثانوية لكنها ضرورية (حدث هذا عندما هاجم حلف الناتو روسيا في حرب أوكرانيا فكانت حسابات الاقتصاد كلها غير صحيحة فانقلب السحر على الساحر).
4. هل المقصود من الضربة فعليا شل ذراع معينة او نطاق صناعي او عسكري معين للعدو ام مجرد ضربة إعلامية او سياسية لدعم موقف او انطباع دولي معروف وذلك لإضفاء الشرعية عليه لأنه رد على هجوم مسبق من قبل تلك الدولة أي انها ضربة تأديبية لا تدميرية بشكلها الواسع.
5. ردة فعل الشارع الداخلي، أي هل الضربة ستزيد من تأييد الشارع المحلي ام ستكون ضده، فيتم تحليل ردة فعل الشارع مسبقا وفق قواعد سيكولوجية لضمان أكبر قدر من الاستفادة لهذه الضربة، فمثلا يجب ان تثبت الدولة للشارع المحلي انها قادرة على حمايتهم وأنها دولة قوية فعلا وليس كلاما.
6. التأثير في شارع العدو، أي هل الضربة ستوقظ الشعور بالوطنية ام انها ستزيد النقمة على الحكومة وهذه مسالة في غاية الأهمية.
هنا سأتناول نقطة قيمة وعدد الأهداف بشكل أوسع فهذه نقطة جدا مهمة, فالأهداف يجب ان تكون فعلا حيوية لا رمزية إذا كان الغرض من الضربة الردع او كسر عظم أي ليس كما يفعل نظام الملالي في ضرب إسرائيل فضرباته إعلامية فقط ولحفظ ماء الوجه إن كان هناك فعلا ماء وجه لهذا النظام امام شعبه المتضجور وامام مريديه, فصواريخه كلها عبارة عن خزانات وقود طائرة (لننظر لحجم هذه الصواريخ الغير معقول في زمن الصواريخ الصغيرة وذات القدرات الخارقة) وقودها محسوب فقط لإيصالها الى إسرائيل والذي يتبقى من الوقود يحترق بمجرد ملامسة الأرض أي لا يحدث أي انفجار له قيمة تذكر محطما الزجاج بأقصى حد او طلاء الجدران التي سقط عليها.
مدى الصواريخ الغير موجهة ليس مهما ابدا فهي فقط تقذف كما ذكرت لخلق حالة إعلامية وليس تدميرية لذا تركز الالة الإعلامية على مدى الصاروخ لا على قدرته على حمل رؤوس تدمير شامل او نووية وعادة من يضخم هذه الصواريخ هو اعلام العدو نفسه كي يبرر للأخرين او لجهات دولية الرد العنيف والمستمر الذي سيقوم به.
لاحظنا في الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير على إسرائيل كيف ان القبة الحديدية الإسرائيلية تجاهلت وبتعمد اسقاط جميع الصواريخ الإيرانية (يحدث مع صواريخ الكاتيوشا التي يطلقها حزب الله من لبنان او كاتيوشا حماس) لان اسقاطها وحماية إسرائيل تماما سينزع عنها شرعية الرد وسيجعل الشارع كذلك المجتمع الدولي يقول " ان نظام حمايتكم ناجع فلما التصعيد" وسيخسر نتنياهو الشارع حتما لان الصواريخ لم تثر لا الرعب ولا النقمة على نظام الملالي, فكان يجب ترك قسم من هذه الصواريخ يسقط محدثا صوتا مزعجا وضررا مسيطر عليه كي يتم تبرير اتخاذ قرار رد على نظام الملالي ينفع إسرائيل استراتيجيا ومحليا فالرد من جهة يثبت جدارة إسرائيل بالوصول لاي هدف يريدونه وهذا ما تم اثباته بالفعل كذلك ان إسرائيل لن تسكت على أي استهداف مهما كان مصدره بالإضافة الى ان إسرائيل وضعت دول الناتو في اختبار قاس بعد تدني الدعم لها فها هي الدول هذه تجدد البيعة لإسرائيل كي ترد تحت غطاء الدفاع عن النفس, اذن كان يجب ان يدعون بعض الصواريخ رغم هزليتها بالسقوط في إسرائيل, ويجب ان لا ننسى ان هذا سيجعل من المستحيل احياء الاتفاق النووي الإيراني الذي عارضته إسرائيل وصادقت عليه الدول الغربية المشاركة فيها.
قبل إطلاق نظام الملالي الهجوم الصاروخي ضد إسرائيل انتشر خبر موعد الهجوم قبل تنفيذه بأكثر من 20 ساعة وعندما نعلم ان لدى إسرائيل تكنولوجية وطائرات تستطيع الوصول الى منصات الصواريخ خلال اقل من ساعتين أي قبل إطلاق الصواريخ فتستطيع تدمير الصواريخ وهي على المنصات فلما لم تستخدم هذه الخطة واضعين بعين الاعتبار ان إسرائيل في هذا لها غطاء دولي قانوني.
تحيتي
Comments