يقول كرين برينتون في كتابه عن الثورات، إن الانتفاضات الشعبية تحدث في كثير من الأحيان عندما يتم رفع معنويات الشعب وتوقعاتهم إلى اعلى مستوى ومن ثم فجأة تنهار. لقد تم رفع توقعات ومعنويات الشعب الإيراني من خلال الاتفاق النووي وتصويره على انه نصر وانه نهاية الازمة والحصار، ولكن نوعية الحياة لم تتحسن ماديا فثار الشعب الإيراني ضد نظام المرشد الأعلى ولأول مرة يتم الهتاف بالموت له وسط طهران منذ 40 عاما أي منذ الانقلاب الخميني ضد الشاه في 11 شباط/ فبراير 1979 واستيلائه على السلطة. ما يحدث ليس اعتباطا ولا مفاجأ ولا يعتبره مفاجأة إلا من كان غارقا في قالب تفكيري قديم وهو ان إيران تخدم الصهيونية والمصالح الامريكية في المنطقة ولن يتم اسقاطها ابدا متناسيا أن الأنظمة لا تدوم لا سيما العميلة منها فنظام خميني عميل وليس حليف وهذا هو الفرق. بدأت الحكاية والتخطيط لتهديم هذا النظام الذي تم بناؤه بقوة متناهية من قبل حكومة العالم الخفية قبل عام 1979 ليحُد من طموحات العراق القومية والتي كانت مؤهلة لقيادة العالم العربي في أخطر القضايا وهي قضيتهم المركزية فلسطين ورفع شعار تحرير فلسطين عاليا بل والعمل عليه. كان لزاما على إسرائيل خلق نظام معادي للعرب يتخذ من تصدير الثورة شعارا وهدفا له وعلى حساب أي شيء وكل شيء. تحقق بالفعل هذا التخطيط التعجيزي والمذهل فعلا وفعل فعله لكن ... الان انتهى فعله والغرض من وجوده فالعرب ضعفاء جدا خصوصا بعد تدمير اقوى دولة فيهم وهو العراق وتم استباحته وتدميره بالكامل فلجأ العرب إلى إسرائيل كي ترفع دعمها لإيران التي باتت تعيث في ارض العرب الخراب وتحيط بدول الخليج خاصة مقابل السلام مع إسرائيل. نجح العرب أخيرا في تحديد مصالحهم الاستراتيجية وتعريف عدوهم الحقيقي وهي إيران وليس إسرائيل التي لا ترفع شعار تصدير اليهودية او الصهيونية الى دول الجوار ولا تريد اسقاط عواصم عربية لرفع علم إسرائيل بدلا عنها وهذا ما فعلته إيران وبالتأكيد خدمة لإسرائيل كما اعترف علنا خامنئي وبعض رموز النظام الخميني بالحرف الواحد قائلين " يجب ان لا تنسى إسرائيل اننا خدمناهم لسنين طويلة ".
لكل بلد اسبرينه الخاص واسبرين إيران ليس حرب أخرى كغزو العراق او ضربات جوية الخ من أفعال عسكرية, فكما ذكرت في مناسبات كثيرة بان إيران سيتم تفتيتها من الداخل فإيران مكونة من شعوب و ليست شعبا واحدا وهذه الشعوب لا تعيش بتالف ابدا بل بالقوة المسلطة عليها والبطش الذي سكتت عنه منظمات حقوق الانسان الدولية لكنها الان لم تعد تسكت وهذا نذير شؤم للنظام الإيراني فهم يعلمون جيدا أن قد حانت ساعتهم وإن غدا لن يشرق عليهم, فالشعب خرج من تحت سياطهم هذه المرة ولم يرفع شعار الموت لإسرائيل ولأمريكا إنما الموت لخامنئي وروحاني والسلطة برمتها.
بدأ العد التنازلي لنظام طهران منذ ان وافق على دخول المفاوضات النووية وقد اعتقد الكثيرون انه انتصار لإيران خصوصا بعد توقيع الاتفاق الذي لم يُطبق ابدا. يتضح ان باراك أوباما الذي دفع بقوة لتوقيع الاتفاق ومَنْ يقرأ تفاصيل الاتفاق قبل ان ينعق بما لا يعلم سيجد انه اتفاق فارغ بل وافقت إيران فيه على كل شيء مقابل لا شيء ممنية النفس برفع الحصار الخانق عنها والذي اودى باقتصادها الى الحضيض ولكنه لم يطبق إلا فيما يخص تصدير النفط الذي أسعاره متهاوية أصلا منذ فترة طويلة ولا تكفي عائداته لسد رمق الشعب الإيراني ومتطلبات التدخل الإيراني في دول مجاورة, فقد تم ادخال إيران في مستنقعات مكلفة وباهظة جدا في العراق وسوريا واليمن إضافة الى لبنان الامر الذي كلف الميزانية الإيرانية مئات المليارات من الدولارات التي هي من قوت المواطن الإيراني.
الاتفاق النووي تبين الآن انه كان ضروريا من قبل إدارة أوباما لإكمال خطة الإيقاع بإيران من ضمن الخطة الرئيسية التي وضعتها إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون وهي خطة محور الشر وتضم العراق – إيران – كوريا الشمالية والخطة تسير بدقة متناهية وحسب التسلسل لحد هذه اللحظة وقد يكون هناك اختلاف في الوقت المطلوب لتحقيقها تبعا لظروف طارئة على ارض الواقع.
وبعد أوباما الذي لم يطبق نصوص الاتفاق النووي الإيراني حتى مغادرته جاء ترامب الذي كان يزمجر منذ فترة الانتخابات والترشيحات بانه سيُعدل الوضع في الشرق الأوسط وسيُلغي الاتفاق النووي الإيراني الذي تتباكى عليه أوروبا حيث هي قد فازت بالنصيب الأكبر من العقود ولم تحصل الولايات المتحدة على شيء مقابل هذا رغم أنها دفعت ثمن باهظ من جنودها على يد إيران وميليشياتها في العراق ابان الاحتلال الأمريكي للعراق فهل ستجعل الولايات المتحدة الاتفاق ممكن التطبيق! هذا ما لن يحدث مهما كلف الامر ولو كلف قلب إيران راسا على عقب وهذا هو المطلوب دوليا كي تكون فريسة سهلة.
مع توقيع الاتفاق النووي الإيراني خرج الشعب الإيراني ممنيا النفس بأمنيات عالية فارتفعت توقعات الشعب الإيراني الى أقصاها ثم جاءت الضربة المميتة وإذا بالاتفاق تمر عليه سنتين ولم يتم تطبيق أي شيء منه بل انه صار في مهب الريح وسيبقى حبر على ورق والسبب تدخلات بلدهم في شؤون الدول المجاورة الأمرين اللذين أوديا بالعملة الإيرانية لان تخسر قيمتها بنسبة 300% خلال فترة سنتين فقط أي مباشرة بعد توقيع الاتفاق فما الذي جناه الشعب الإيراني غير الجوع والظلم!
تبين للشعب ان كل ما كان من وعود هي ليست إلا وعود خاوية من قبل النظام وان النظام قد ضيع الفرصة للتخلص من الحصار فثارت ثورته ويا ويل الحاكم من ثورة الجياع والمظلومين فان التاريخ لم يثبت بان ثورة لجياع قد فشلت قط وإن طالت.
أي تحليل يتحاشى الشعب وخياراته وتطلعاته هو تحليل منقوص بل لا يمت للواقع بأي صلة فالشعب له القول الفصل في نهاية المطاف سواء كان له دعم خارجي ام لا فالنار لا تعرف صاحبها بل تبحث عن الانتشار بأسرع وقت. فان كانت ثورة بيض أم ثورة خبز أم ثورة كيك فالهدف واحد وهو اسقاط من سرق قطعة الخبز هذه او البيض او الكيك.
Comments