بقلم رياض بدر
كان ماراثوناً طويلا فعلا لغاية التوصل لما يسمى بالاتفاق النووي الإيراني أو اتفاق دول 5+1 اضافة الى الولايات المتحدة الأمريكية. وقد استمر لسنين طويلة قبل توقيعه الأمر الذي جعل النظام الإيراني يظن أن العالم يخشاه أو بحاجة إليه على الأقل في المنطقة لا سيما أنه نصّبَ نفسه كلب حراسة امين لروسيا في المنطقة ناسيا ان هذا المنصب ليس أبدي اطلاقا فالدول العظمى تغير حساباتها تبعا للموقف على الأرض من ناحية ومن ناحية أخرى انه يجابه دولة عظمى مثل الولايات المتحدة التي في النهاية لن يقف بطريقها حلفائها إذا ما دعت الحاجة وقسم من حلفائها الأثرياء يسكنون على الضفة الأخرى من الخليج الدافئ.
فجر ترامب المفاجأة برفضه التوقيع على التزام إيران بالاتفاق النووي الأمر الذي سيجعل الكونغرس ذي الأغلبية الجمهورية يدرس ويناقش جدوى البقاء ضمن الاتفاق هذا رغم ان ترامب ابدى امتعاضه مرارا من الاتفاق وأنه ليس بصالح الولايات المتحدة الأمريكية. السؤال هو لماذا ليس في صالح الولايات المتحدة الأمريكية!
وكلمة يكررها ترامب " أن إيران لم تحترم روح الاتفاق"
الاتحاد الأوروبي يدافع عن الاتفاق وروسيا كذلك لكن منذ متى اوروبا تدافع هكذا دفاعا مريرا عن مجرد اتفاق بين دولة مسلمة شرق أوسطية بالكاد يُعطي لمواطنيها حق اللجوء الإنساني في دول الاتحاد الاوربي إلا ما ندر رغم الظلم والجور المتمثل بنظام طهران المتطرف؟ الاتحاد الأوروبي لا يعرف غير مصالحه الخاصة لا سيما ألمانيا وفرنسا فلم تكن يوما عونا لدولة عربية أو إسلامية إلا وفق مصالح اقتصادية بحتة فالسياسة هي مصالح وليست من الإنسانية في شيء فلماذا الاستقتال على إبقاء الاتفاق النووي على حساب كل شيء!
الاتفاق هذا ليس في صالح الولايات المتحدة الأمريكية اطلاقاً وقد وقعته أمريكا لضغوط داخلية أولها أن إدارة أوباما كانت تبحث عن نصر خارجي بطعم داخلي وأيضا العداء الشخصي بين أوباما (الديمقراطيين) ودول الخليج, فالاتفاق بدأ يؤدي إلى تمويل قدرة إيران في المنطقة الأمر واستفحال خطرها إلى إسرائيل حتى والذي يصب في صالح روسيا والصين فقط ( لعبة قديمة مارستها الولايات المتحدة وإسرائيل لكنها انتهت ) وخسارة الرهان الأمريكي في سوريا أكبر دليل على ذلك, والآن بروز كوريا قوة نووية وهذا ما تحاول القارة العجوز التملص منه رغم انه واقع حال ويشكل تهديدا لها حيث بُعد كوريا عن أوروبا يساوي قرب روسيا منها وكما ذكرت في تحليل سابق أن روسيا الآن تقول للعالم " كوريا سيفي وأنا أقتصُ به ممن أشاء " فهل سترضى الولايات المتحدة بهذا الاتفاق على هذا المنوال وكفته تميل لصالح روسيا؟ قطعا لا وان كلفها حرباً جديدة تكون أوروبا أول المتضررين منها.
الاتفاق النووي يعطي لأوروبا فرص استثمارية ضخمة مع إيران تدر المليارات على القارة العجوز المنهكة اقتصاديا منذ أزمة 2008 المالية ولحد اليوم.
الاتفاق النووي يدر على القارة العجوز بعض النفوذ في الشرق الأوسط حيث بات واضحا إن روسيا ستسمح لهم بالنفوذ في المناطق التي خسرتها أمريكا مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا وهي مدمرة بالكامل عن بكرة أبيها وقد يكون هناك قادم أي دول أخرى ستدمر مقابل بعض التنازلات أو التطمينات فيما يخص منطقة القرم وأوكرانيا.
أي ان أوروبا ستجني المليارات من هذا الاتفاق الذي لم يكلفها شيء الأمر الذي دفع الدول الخليجية (عدا دويلة قطر حليف إيران الشريفة المُضحك) دفعت حليفها التاريخي بكل ما أوتيت من قوة مالية لتقلب الطاولة على رأس الأوروبيين والإيرانيين مجتمعين وجعل الاتفاق النووي حبرا على ورق لن تقبض الدول المستفيدة منه أي شيء ما لم تجلس وتتفاهم مع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة واضعين في حساباتنا هذه نتائج زيارة الملك سلمان التاريخية لروسيا؛ الزيارة التي جعلت حسابات الأوروبيين قبل خطاب ترامب الأخير تتخبط في قياس مدى الهزة التي سيتعرض لها الاتفاق وهل سيرجعون الى المربع الأول أم أن ترامب سيشطب حتى المربع نفسه!
فكيف ستسمح الولايات المتحدة باستمرار هذا الاتفاق المجحف بحقها!
لا ننسى أن الولايات المتحدة لا تريد أوروبا بعيدة عنها ولا أوروبا قوية بدونها وستفعل المستحيل للإبقاء على حلف الناتو على ان تكون هي قائدة لهذا الحلف وهي تدرك ان الاوروبيين ضاقوا ذرعا بها ومن مشاكساتها لذلك لن ترضى الولايات المتحدة بان تبحر أوروبا بعيدا عن فلكها الذي دفعت لأجله الكثير ولم يكلف أوروبا (عدا بريطانيا التي قفزت بعيدا عن المركب الأوربي الغارق) في الوقت نفسه جندي واحد في العراق وسوريا وليبيا فكيف ستترك الولايات المتحدة إيران واوروبا ينعمون باتفاق لم ينفقوا فيه جندي واحد ويشكل خطرا على حلفائها في المنطقة في الوقت نفسه!
هذا ما لم يكن يوما في السياسة الأمريكية ولن يكون وقد يفسر هذا الانقلاب على الاتفاق قبول الولايات المتحدة مبدئيا أنها الخاسر في سوريا رغم أن المشهد لازال فيه مستمراً إلى مرحلة جديدة وعليه أدرجت الولايات المتحدة الحرس الثوري الإيراني في قائمة الإرهاب ناهيك عن نبش دفاتر قديمة ضد حزب الله الموالي لإيران بل هو صنيعة إيران قلباً وقالباً فصارت تضرب الإثنين بعصاً واحدة الأمر الذي سيجد الأوروبيين يوما انفسهم انهم امام إما الوقوف مع اتفاق نووي طرفه دولة إرهابية مارقة قتلت جنود أمريكيين ومولت القاعدة وداعش وهجمات على الأراضي الأمريكية والخليجية بل وحتى في أمريكا اللاتينية او ... تمزيقه بيديهم.
كلمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض فيها دلائل واضحة عن السمات الاستراتيجية للمرحلة المقبلة حيث ذكر بالتفصيل ما قامت به إيران كدولة داعمة للإرهاب منذ عام 1983 وان الاتفاق يستطيع الانسحاب منه في أي وقت يشاء.
الأدلة ضد نظام طهران ستوضع على الطاولة الدولية تباعا لا سيما تورط إيران بدعم عمليات إرهابية ضخمة وقتل الجنود الأمريكيين والضلوع في تفجيرات لقتل جنود أمريكيين الأمر الذي سيجعل موقف الاتحاد الأوروبي والدول الضامنة للإتفاق موقفاً لا يحسدون عليه فكما ذكرت إما يقفون مع الاتفاق أي مع دولة راعية للإرهاب أو يمزقونه وقد تغريهم أمريكا هذه المرة بأن لهم نصيبا من الضحية وليس كما العراق حيث لم يقبض الأوربيين إلا ملايين اللاجئين من العراق وسوريا.
البديل الأوروبي عن الانسحاب او الغاء الاتفاق النووي سيكون بيد أمريكا مرة ثانية وليس بيد روسيا والأوربيين، فالأوربيين لا ينظرون بعين الثقة لروسيا اطلاقا مهما فعلت وقالت ولا لتركيا العضو في حلف الناتو المائل لروسيا مؤخرا الذي قد تكون عضويته محط إعادة نظر إذا ما تطورت علاقة تركيا مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى الأسوأ وهذا عنصر دعم للموقف الأمريكي إذا ما تم استغلاله بطريقة جيدة أو قامت روسيا بحركة حمقاء تجعل الاتفاق وإيران أيضا في مهب الريح.
اعترف وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري بعد أقل من 24 ساعة على خطاب ترامب في البيت الأبيض رفض فيه الاتفاق النووي بان ترامب يُعرّض مصالح حلفاء أمريكا للخطر فلنفكر, ماهي تلك المصالح! إذن الموضوع يقاس بالمصالح وحسب وليس للولايات المتحدة أي مصلحة فيه.
التكهنات لا سيما نظريات المؤامرة التي يؤمن بها بل يعتنقها الشخص الشرقي بائت بالفشل الذريع بعد الذي حدث اليوم والذي يحدث منذ تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة حيث تكشفت حقيقة ان لا اتفاق خفي او ظاهري مع أي دولة من دول محور الشر اطلاقا بل من يتفق مع محور الشر هي روسيا وبغباء مطبق الاتحاد الأوروبي لا سيما ألمانيا الجديدة. فالمُتتبع لسياسة ألمانيا لاسيما من خلال إعلامها الرسمي المتمثل بقناة وموقع DW (الموجة الألمانية بالترجمة العربية) سيعرف المزيد عن غرابة الموقف الألماني الغير معلن ضد الدول العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص وهو موقف واضح جدا انحيازه لإيران رغم أن العلاقات مع تركيا باتت أيضا في مهب الريح الأمر الذي يثير تساؤلات كبيرة وخطيرة عن سياسة أنجيلا ميركل الخارجية هل هي في تخبط أم ستكون حازمة ودقيقة كما هي في الداخل سواء الداخل الألماني أو الأوروبي فهي ناجحة بالتأكيد.
إذا ما أردنا اختصار تحليل اللعبة الانگلو- أوروبية فستكون كالتالي:
ازمة اقتصادية اوروبية او امريكية إذن فلنبحث عن الضحية التالية لفك الأزمة الحالية!
Comments