بقلم رياض بدر
في خطاب له أثناء جولة لحملته الانتخابية عام 2016 انتقد دونالد ترامب أوباما لزيارته السعودية دون استقبال رسمي وكانت فعلا رسالة واضحة من المملكة العربية السعودية حينها لأوباما بانه غير مرحب به حيث تأزمت العلاقات بين الطرفين بسبب دعم أول رئيس أمريكي اسود للتطرف الإيراني في المنطقة بل وانتهاج سياسات مريبة أتت بالأذى على العرب لا سيما على دول الخليج حيث من المعروف إن الديمقراطيين هم حزب لا يتمتع بدعم أو تأييد يذكر من قبل دول الخليج وأيضا من غالبية دول العالم بل وصفت الصحف الأمريكية السعودية بـ " الشريك الزعلان ". أوباما الذي رحل بعد 8 سنوات من الجلوس في البيت الأبيض دون تحقيق أي شيء يذكر للأمريكيين بل جاء بالبطالة والاقتصاد المنهار لها فانتهزها ترامب حينها وفعلا أتى بنتائج شعبية قوية إذ تثير هذه الطريقة المضمونة عادة حماس الأمريكيين لأنها تمس كبريائهم وسيادة اقوى دولة عظمى في العالم فركز ترامب كثيرا في حملته على هذا الجانب العاطفي ممهورا بإلغاء كل أثر تركه سلفه أوباما تحت شعار أمريكا أولا. الأن يواجه ترامب عاصفة قوية تهدد بقاءه في البيت الأبيض ويبدو أنها قوية لدرجة انه بدأ جولته الدعائية بنفس الطريقة والتركيز على رفع كبرياء الولايات المتحدة وطبعا لا ننسى الاقتصاد المتعافي بل والجيد جدا الذي وصل اليه في عهد ترامب. قبل يومين أطلق ترامب تصريحات عن مكالمة هاتفية ادعى فيها انه قال للملك سلمان عاهل المملكة العربية السعودية إنك تملك تريليونات الدولارات ودوننا لا أحد يعلم ما سيحدث لكم وقد لا تستطيع أن تحتفظ بهذه الطائرات وقد يتم مهاجمتها ومعنا ستكون بأمان تام ولكننا لا نقبض بما فيه الكفاية لهذا الغرض وندعم جيشهم أي جيش السعودية مجانا " انتهى حديث ترامب. الولايات المتحدة الأمريكية لا تدعم الجيش السعودي مجانا إطلاقا ولم يحدث هذا قط لكن الولايات المتحدة تدعم الجيش الإسرائيلي بمليارات الدولارات سنويا والمصري كذلك وبعض جيوش الدول الفاشلة والمفلسة هنا وهناك من جيوب دافعي الضرائب الذين غالبيتهم لا يعلمون أين تقع هذه الدول حتى، فهذه قوانين أمريكية بحتة لا يستطيع لا ترامب ولا غيره التلاعب بها فهي دستور أمريكي مبني على مصالح استراتيجية بعيدة الأمد وليست قصيرة كنظرة السيد ترامب لتنورة النساء من حوله. سأقول لك يا سيد ترامب بدون الولايات المتحدة الأمريكية ماذا كان سيحدث للمملكة العربية السعودية ونتكلم بوقائع وأحداث وكما يلي: 1. مفتاح السيطرة على العالم جغرافيا أولا هو السيطرة على الشرق الأوسط وليس منطقة أخرى أبدا. 2. لو لم يتم توقيع الاتفاقية الأمنية والشراكة بين السعودية والولايات المتحدة منذ خمسينيات القرن الماضي لقفز الاتحاد السوفيتي للمنطقة ولكانت السعودية وروسيا هما الحليفان لكنكم شعرتم بان الاتحاد السوفيتي وحلمه التاريخي بالوصول للمياه الدافئة سيجعلكم دولة محاصرة بين محيطين وتخسرون العالم كله إذا ما خسرتم الشرق الأوسط. 3. خسارة الشرق الأوسط معناها خسارة إسرائيل لدولتها بل فعلا ستشطب من الخريطة فالروس الذين هم مَنْ خلقوا الدولة العبرية نكاية بالعرب يقفون مع مصالحهم لا كعادة الأمريكيين فاذا طلب منهم العرب محوا إسرائيل من المنطقة سيمحوها بالتأكيد لأنها لا تنفعهم إطلاقا. 4. السعودية كانت بحاجة لحماية دولة عظمى وليس لحماية أمريكا بالذات أبدا ولم يكن هناك أي شيء يميز الولايات المتحدة على أمريكا في هذا الخصوص لكن مشكلة الروس لم يكونوا يفكرون بثعلبة كثيرا رغم حلمهم بالوصول للمياه الدافئة وقد يكون السبب الأخر هو أن أمريكا دولة دينية والروس كانوا شيوعيين أي لا يؤمنون باله أو أي دين لكن قطعا عهودهم اغلظ من الأمريكان. 5. الحماية التي وفرتها الولايات المتحدة للسعودية والخليج برمته لم تكن مجانية إطلاقا ومنذ اليوم الأول ولحد هذه اللحظة وآخرها كانت الزيارة الاستجدائية لرئيس اقوى دولة في العالم إلى المملكة وحصل عليها بتعهدات مشروطة لاستثمارات تصل قيمتها إلى 500 مليار دولار أمريكي يقبضها على مراحل تمتد إلى عشر سنوات مرتبطة بتنفيذ كل مرحلة وتم التوقيع عليها من قبلك مستر ترامب وبحضور رؤساء عدة دول وشخصيات سياسية دولية. 6. مفتاح السيطرة على العالم اقتصاديا هو عملة دولية قوية والقوة لا تأتي بدون أن تكون مطلوبة وبدون نفط المملكة الذي وافقت فيه المملكة العربية السعودية ببيع نفطها كأكبر مُصدر للنفط في العالم بالدولار الأمريكي فهو امر غير ممكن مما جعل الدولار اقوى عملة في العالم وليومنا هذا ولم يكن لنجاح الدولار وسيطرته على الاقتصاد العالمي أي سبيل أخر ولحد هذه اللحظة وتسمى هذه الاتفاقية باتفاقية البتر ودولار ولازالت سارية ولا تستطيع الولايات المتحدة أن تنقضها أبدا لان الدولار سينهار عندها لكن المملكة العربية السعودية لن ينفذ نفطها اذا خرجت من الاتفاقية بل هناك فعليا اتفاقية مع الصين لبيع النفط باليوان الصيني. 7. أي تخلي من جانب المملكة العربية السعودية عن بيع نفطها وطبعا نتكلم عن دول الخليج برمتها وأيضا أوبك أي تخلي عن بيع النفط مقابل الدولار هو نهاية الولايات المتحدة الأمريكية واليوان الصيني جاهز والين الياباني أيضا جاهز وما اليورو عنهم ببعيد بل حتى الشلن الصومالي قد يصبح له شأن دولي إذا ما تهاوى الدولار وأصبح عملة غير رئيسية. 8. القوة العسكرية ليست كل شيء وقد أثبتت حرب فيتنام وأفغانستان هذا فالولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي حينها تملكان أكبر وأضخم واعقد الأسلحة في تاريخ البشر لكنهما خسرتا المعركتين بل وكانت معارك ضد دول صغيرة وضعيفة جدا بل لا تصنف حتى دول ذات سيادة. فأمريكا خسرت حرب فيتنام جراء فكر فيتنامي وطني راسخ مع دعم سوفياتي كبير والسوفييت خسروا حرب أفغانستان بفتوى صغيرة من قبل المملكة العربية السعودية جعلت عشرات الألاف من الشباب يقاتلون بأبسط الأسلحة وأصعب الظروف أكبر واقوى جيش في العالم حينها وهو جيش الاتحاد السوفيتي أكرر فقط بفتوى ودعم بسيط جدا فالانتحاري لا يطلب راتب وتسليحا متطورا إنما يريد الجنة فورا. 9. المملكة العربية السعودية لازالت تملك مفتاح بل اسميه السلاح النووي الرخيص والأكثر فاعلية وهو الدين فبفتوى بسيطة من عدة شيوخ ستكون كل القواعد الأمريكية على وجه الأرض هدف مستباح لجيوش جرارة من الانتحاريين الذين لا يكلفون 200 دولار للشخص الواحد ولن تستطيع دفاعات أمريكا مهما كانت وكثرت أن تدافع عن كل القواعد مرة واحدة حيث عسكريا نتكلم هنا إن قواعد الولايات المتحدة الأمريكية هي ليست على أرضها واهم هذه القواعد موجودة على مرمى عصا من دول الخليج واذا خسرت الخليج خسرت الشرق الأوسط واذا خسرت الشرق الأوسط فعلى نصف سكان الولايات المتحدة أن يجدوا لهم مكانا ينامون فيه غير بيوتهم بعد 24 ساعة من هكذا حدث أما النصف الأخر فيكون قد هاجر خارج الولايات المتحدة حينها إلى غير رجعة. 10. الولايات المتحدة لا تستطيع الدخول في حرب شاملة ضد عدة دول هذا امر مُحال من كل النواحي سواء العسكرية أو اللوجستية أو النفسية أو الاقتصادية وبرز هذا إبان الغزو العراقي للكويت عام 1990 حيث قال احد المجتمعين من ضمن الفريق الرئاسي لجورج بوش الأب في البيت الأبيض بعد ساعات من الغزو وكان اجتماع لمجلس الأمن القومي الأمريكي حيث تم استبعاد أن تذهب الولايات المتحدة الأمريكية لإخراج صدام حسين من الكويت لوحدها والسبب كان هو قوة الجيش العراقي آنذاك حسب وصف احد المجتمعين وكان القرار الأولي هو الضغط الدبلوماسي على صدام حسين لإخراجه ثم تحول في اليوم التالي إلى شحذ الهمم وتشكيل تحالف دولي لإخراج الجيش العراقي من الكويت وذلك التغيير في القرار كان بفعل المال الخليجي وليس السياسة الأمريكية أو القوة العسكرية قطعا. 11. تملك المملكة العربية السعودية ثالث أكبر صندوق سيادي استثماري في الولايات المتحدة بمبلغ ناهز ال 600 مليار دولار وهي ماضية في زيادة راس مال الصندوق ليصل إلى أكبر صندوق سيادي إذا ما بقي التوافق السياسي بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة كما مخطط له ولا اعتقد أن لوبي المال الذي أوصل السيد ترامب إلى البيت الأبيض سيسمح له بان يعكر صفوا العلاقة مثلما فعل سلفه الديمقراطي أوباما الرئيس الوحيد الذي سلم السلطة لترامب بحزن شديد رغم انتهاء فترتين لرئاسته البيت الأبيض وكأنه قد تم إقالته بفضيحة.
نستشف من هذا إن السيد ترامب يعي جيدا ما هو ثقل المملكة العربية السعودية في الولايات المتحدة أو بتعبير أدق ما هو تأثير وثقل المال السعودي في الاقتصاد الأمريكي الذي إذا ما تعرض لأي هزة لا سيما في الوقت الراهن ستكون عواقبه كارثية بل ولفترة طويلة جدا فأعداء الولايات المتحدة الأمريكية أضعاف حلفائها واهم حليف الذي يجب على ترامب أن ينظر اليه هي أوروبا التي بسهولة متناهية تبيع ملابسها الداخلية لمن يدفع اكثر من دول الخليج فهي لاتكن للولايات المتحدة أي ثقة أو احترام ولا لشركاتها الابتزازية التي تم تغريمها اكثر من تريليون دولار خلال السنوات الأخيرة الماضية ولازالت القضايا ضدها مستمرة مثل الفيسبوك وابل وأمازون.
الروس على أبواب مكة الروس لن ولم يهدأ لهم بال حتى يضعوا أقدامهم في الشرق الأوسط فلقد رأينا كيف دفع بوتين بكل ما أوتي من قوة لربح موضع قدم في سوريا فهو قالها بصراحة انه لا ولن يدافع عن بشار الأسد بل إن له مصلحة في سوريا وهو يدافع عن مصالحه كيف لا وإسرائيل تقبع على مرمى حجر من القواعد الروسية في سوريا وهذا هو المهم والاهم أيضا. الروس يدركون إن نقطة ضعف أو كما يسميها البعض نقطة قوة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هي إسرائيل لذا دفعوا بكل قوتهم وإمكانياتهم تجاه سوريا ولن يترك الروس سوريا للأمريكان لقمة سائغة مهما كلف الأمر وعندها سيكون للروس كلمة أخرى وقد بدأت بالفعل كلماتهم الأُخر بالظهور وهي إن إسرائيل حليفتكم بل هي قاعدتكم في الشرق الأوسط تحت اقل من 5 دقائق من طائراتنا وجيشنا بل إننا محاطون بشعوب لا تكن الكثير من الود لإسرائيل ولا لأمريكا والتاريخ القديم والحاضر يشهد بذلك. تخلي الولايات المتحدة عن حماية المملكة العربية السعودية أو محاولة ابتزازها لن يعني فراغ أمني للسعودية أبدا فالبديل يقف على أبوب مكة وقد أعلن استعداده منذ زمن طويل أن يكون البديل بل أن الروس لا يتمتعون بعلاقة تاريخية جيدة مع الفرس أبدا ويحبذون دول مستقرة وقوية بشيء ما مثل العقيدة والشعب وهذا لا يتوفر في إيران بل في السعودية ودول الخليج فقط ناهيك عن إن روسيا تفضل أن تستثمر في العرب على إيران وإسرائيل لا كما تفعل الولايات المتحدة فايران دولة مكروهة من كل العرب وكذلك إسرائيل والولايات المتحدة كما فضحها ترامب في حديثه هذا تخلق للعرب الأعداء بغية إشغالهم عن إسرائيل وعن أي تقدم يمكن أن يحرزوه ويعلو كعبهم على إسرائيل اقتصاديا مثلما افتعلوا نظام الخميني الدجال لمحاربة العراق ثم أضحوكة الربيع العربي. منذ اكثر من 5 سنوات والمملكة العربية السعودية بدأت بتقوية علاقتها مع الصين وروسيا وعلى مستوى تبادل زيارات رئاسية فقد زار الملك سلمان موسكو وكان أول ملك سعودي يطأ ارض روسيا وكانت رسالة قوية جدا للولايات المتحدة وهناك قبلها كانت الزيارة التاريخية لليابان من قبل ولي العهد محمد بن سلمان والعقود التاريخية والضخمة مع اليابان والاستثمار في تكنولوجيا المستقبل وضخ المليارات في بنك سوفت الأكبر من نوعه في العالم والذي مخصص للاستثمار في التكنولوجيا فقط وهذا ما لا تملكه الولايات المتحدة ولا أوروبا لكن كبرى الشركات الأمريكية التكنولوجية وهي شركات خاصة طبعا تستثمر فيه مثل ابل ومايكروسوفت ولن تقامر أو تغامر هذه الشركات لأجل عيون مستر ترامب الزرقاويتين والذي يترنح تحت تهديدين الآن وهو ملف ملكة الجنس ستورمي دانيلز التي فتحت عليه باب جهنم وأيضا ملف فريقه الانتخابي الذي يبدو انه لم يكن نزيها تماما وملتزما بقوانين تمويل الحملات الانتخابية وبدأ نجومه بالتساقط الواحد تلو الأخر وفضائح التهرب الضريبي التي بدأت رائحتها بالظهور قبل يومين فقط. أسعار النفط أصبحت بلا شك بيد قوتين فقط وهما السعودية وروسيا وقد ابليا بلاء حسن في هذا الموضوع حيث انهما باتا يدركان إن فقاعة النفط الصخري لم تكن إلا مشروع ابتزاز أمريكي كالعادة وان هذه الصناعة ليس لها أي مستقبل هذا إن كانت أصلا صناعة فارتفاع التكاليف رغم ادعاء الشركات أنها توصلت إلى تقنيات خفضت بها تكاليف الإنتاج يبقى الموضوع محدود فالبيئة الإنتاجية لأي أنواع الطاقة في أمريكا لن تكون ارخص مما هي عليه في السعودية وروسيا وان أحرقت الولايات المتحدة العراق وايران لتفرض شركاتها هناك كي تنتج نفط رخيص وتبيعه فالعراق في النهاية صارت تحكمه عصابات ليس لديها ولاء لأي طرف إطلاقا ومرتع للجماعات الدينية من كل الطوائف وهذا ما رأيناه أيضا في الخمسة عشر سنة الماضية ولازال مستمرا أي أن أسعار النفط وسوق النفط برمته لازال بيد أوبك بل ازداد ترسيخا واصبح اليوم الذي تستطيع فيه أوبك التحكم بمكن يجلس في البيت الأبيض قاب قوسين أو ادنى وما أزمة السبعينات منا ببعيدة. فيا سيد البيت الأبيض إن الجيش الأمريكي لا يستطيع أن يقاتل بدبابات وطائرات تعمل على الماء وشركات الأسلحة ليست مخلصة وطنيا فصنعت لك طائرات مكلفة جدا بل ذات كلف فلكية مجهزة بما أوتي العقل البشري من ابتكار في مجال الأسلحة لكنها تعمل على الوقود فقط ولا تطير إلى نهاية الكرة الأرضية من قواعد في داخل أمريكا وسيغتنم الروس أي فرصة لتحويل قواعد الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط إلى قواعد روسية إذا ما تم الطلب منه. أما إذا كانت تصريحاتك هذه مخصصة فقط للسذج الذين يشكلون 90% من الشعب الأمريكي كي لا يتم إقالتك من ناحية وكي لا يخسر الجمهوريين غالبيتهم في مجلس النواب من جهة أخرى في الانتخابات القادمة يوم 6 تشرين الثاني نوفمبر 2018 فلا باس من هذه النوعية من التصريحات بل على العكس أنها جيدة جدا لا سيما أنها قد تكون كتبت أصلا في الرياض وتم إرسالها لك بالايميل السري.
留言