لاتوجد جريمة دون دافع ولا دون منفذ مباشرعلى الارض والثاني اعطى الامر. فبعد ان نُخرج كل غير ممكن او مستحيل من التحقيق لن يبقى لدينا سوى الممكن وهذه قاعدة التحقيق للمحقق المشهور شارلوك هولمز.
لم يحدث ان وقعت و أُرتُكبت جريمة او محاولة قتل دون دافع معقول, هذا مُحال المُحال. واليوم لدينا حادثة غريبة جدا رغم انها عبارة عن تفجير راح ضحيته اكثر من 200 شخص لم يكونوا سوى كبش فداء لامر جلل.
تفجيرات كارمان التي حدثت في إيران قرب مقبرة مدفون فيها بعض بقايا الإرهابي قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني السابق الذي قدمه ترمب قربانا للامريكان في أعياد الكرسمس عام 2020 الامر الذي اخرج الكثير من العراقيين ليلة مقتله يرقصون في الشوارع لما اقرتفته يد هذا الارهابي من جرائم لاتغتفر ولا تنسى بحق غالبية الشعب العراقي وتهجير اكثر من 5 ملايين منهم من مناطقهم بعد تدميرها مازال الكثير منهم لايستطيعون العودة اليها بل ممنوعين من ذلك.
مَن له المصلحة في هذا التفجير! قاسم سليماني ودوره المحتمل
مَن لديه الدافع ويجب ان يكون دافع قوي اي يرجع له بفوائد عظيمة تتناسب مع حجم الجريمة كذلك تكون نتيجة ظروف قاهرة تدفعه لفعل هذا, ليس فقط ينفذ تفجير كهذا للتمتع او لايذاء الناس العاديين اي بنتائج بالكاد تكون نافعة او حتى رمزية !
التفجير حدث في مقبرة اي انه لم يقع في مكان استراتيجي مهم على سبيل المثال معسكر او قاعدة عسكرية او امنية او فيه اي مركز رسمي يمثل الدولة او حتى مناسبة رسمية كبيرة ومهمة جدا, فمن اذن الجهة التي لها مصلحة عليا والتي تقف وراء التخطيط والتنفيذ لهكذا تفجير!
التفجير لم يحدث في مناسبة رسمية يحضرها كبار رموز النظام او حتى رأس النظام نفسه كما يحدث في مناسبات اخرى تجري في طهران. فإذن هنا انتفى دور اي جهة خارجية كأن تريد اغتيال رموز كبيرة لنظام الملالي في طهران فالمناسبة لم يحضرها شخصية كبيرة وهذه نقطة مهمة يجب الانتباه لها في معرض التحليل, حيث ان اي دور خارجي سيكون مكلف جدا ليس ماديا بل تخطيط واشراف ونتائج وهذا الاهم وهي كلها لاتهم لا الولايات المتحدة ولا إسرائيل ولا اي جهة دولية لانها كما رأينا من نتائج التفجير انها ليست بنتائج ذا شأن يهم تلك الدول على الاطلاق بل حتى لو ذهبنا الى نظريات مؤامرة فلن نجد للولايات المتحدة او اسرائيل اي مصلحة لا من قريب ولا من بعيد بل ليس للمعارضة ناقة ولا جمل في هكذا فعل.
هل المعارضة الايرانية تقف وراء التفجير؟
المعارضة الإيرانية في الداخل والخارج يهمها جدا الشارع وهي ماتعول عليه لإسقاط نظام الملالي بل واقتربت اكثر من مرة باسقاطه في تظاهرات عارمة لكن تداركت الولايات المتحدة وبعض الدول الاوربية الامر وبالفعل وقفت ضد الثورة وذلك لمصالح قذرة منها ان نظام الملالي هو مصدر الرعب الوحيد في المنطقة (تسمى عملية خلق توازن) ويجب الابقاء عليه (على الاقل لغاية يومنا هذا) وهذا مايفهمه فعلا نظام الملالي منذ اندلاعه في المنطقة عام 1979 خلفا للشاه الذي نسي هذا الدور وهذا ما يبقي نظام الملالي على قيد السلطة وليس امرا اخر, فهو ليس افضل واقوى من نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ومع ذلك عندما ايقن الغرب بان صدام حسين ليس معهم تم اسقاطه وبسهولة.
المعارضة لا يمكن ان تفعل شيء يجعل الشارع ضدها او يغير مزاجه عكسيا, فهو سلاحها القوي والاهم هو سلاحها الوحيد وهذه نقطة مهمة جدا يجب ان نلتفت لها حيث اثبتت الثورات الشعبية السابقة التي كادت تسقط بنظام الملالي بان الشارع غالبيته العظمى ليس مع النظام وسخط الشارع يتفاعل ويتصاعد يوميا وقد يكون عامل الحسم هذه السنة كما توجس نظام الملالي من هذا بعد ان زجت الولايات المتحدة باربع حاملات طائرات وغواصة نووية الى الخليج في تحرك لا ينم ابدا عن دوريات روتينية او إستعراض للعضلات (شرحت في منشورات سابقة لما تحرك اكثر من حاملة طائرات يعني فقط الحرب) وهي تعلم ان خطط اسقاط النظام لن تكون كخطط اسقاط النظام العراقي الاسبق على الاطلاق فلكل بلد اسبرينه الخاص واسبرين ايران الخاص هو ثورات شعبية فقط كما اثبت التاريخ لاسيما مع الشاه الذي كان حليف الغرب الاقوى لكن تم إسقاطه فقط بفعل الشارع.
حلب البقرة تكرار ومراراً.
نظام الملالي مشهود له بالاعمال القذرة واقصد انه مستعد ان يقتل حتى اقرب مريديه او يدمر اي رمز يعنيه إذا كان الامر يخدمه للاستمرار بالسلطة ولا اعتقد ان احد ينسى موضوع تفجير ضريح العسكريين في العراق عام 2006 الذي اشعل حربا طائفية استمرت لاكثر من 3 سنوات راح ضحيتها اكثر من 2 مليون بريء جعلت العراق يان تحت تفرقة طائفية ليومنا هذا وقد لا يندمل الجرح لعقود طويلة.
لذا قد يكون ان قرر نظام الملالي سحب السلاح الاقوى لدى المعارضة والذي قد تسخدمه الولايات المتحدة كما استخدمته لاسقاط الشاه والاتيان بنظام الخميني عام 1979 فقط لان الشاه نسي او قد يكون تناسى الدور المناط به في خلق توازن في المنطقة وكان يسمى بشرطي الخليج التي اسقطها العراق بعد ذلك في معركة القادسية 1980 – 1988 والى الابد.
قتل المدنيين لا سيما بتفجير مريع كهذا سيصب حصرا في مصلحة نظام الملالي وسيضر فقط المعارضة كذلك الولايات المتحدة الامريكية فكثرة السذج قد يستطيع نظام الملالي بطرقه الدينية والطائفية الملتوية ان يجير هذا الحدث لصالحه بافتعال قصة او اتهام ضد جهة ليس لها اي مصلحة في التفجير لا من قريب ولا من بعيد كي يبين للقطيع انه مستهدف وهم مستهدفين لا سيما من قبل اسرائيل فلا يجب ان ننسى ان ذهنية المظلومية مترسخة رسوخ الصدأ في المجتمع ومن السهولة تجييرها لصالح الملالي بطريقة الاستدامة اي افتعال احداث تعزز مبدأ المظلومية وعقلية الاستهداف الخارجي كي يستمر النظام في السلطة.
نعم الشارع هو السلاح الانجع المجرب ضد نظام الملالي وكما ذكرت فان هذا السلاح كاد ان يطيح بالنظام في اكثر من مرتين على الاقل خلال اقل من 10 سنوات, ففي ثورتي عام 2009 والتي اخمدها الرئيس الامريكي الاسبق باراك اوباما ثم ثورة عام 2017 والتي استمرت لاكثر من سنة وانتهت كذلك بدعم الغرب لنظام الملالي كما ذكرت آنفا لمصالح خبيثة جدا تسمى خلق توازن والتي لا تستمر عادة الى الابد.
التفجير الذي حدث في كارمان في ذكرى مقتل الارهابي قاسم سليماني بسهولة متناهية نستطيع ان نكتشف انه معد مسبقا من قبل جهة تسيطر على مكان الحادث فهي مناسبة تعتبر عند النظام مناسبة مهمة وذات قيمة معنوية حيث كان الارهابي قاسم سليماني يد نظام الملالي في تخريب عدة مدن لدول مجاورة, فبكل تاكيد وببساطة سيكون قد وفر النظام على الاقل بعض الاجراءات الامنية قبيل الاحتفال بهذه المناسبة كماهي العادة المتبعة فكيف مرت هذه التفجيرات لاسيما ان التفجيرات منسقة بشكل يوقع اكبر عدد من الضحايا وليس تفجيرا رمزيا لغرض ارسال رسالة لو كانت من جهة خارجية او معارضة اننا هنا او حتى من دولة مناوئة لنظام الملالي, فالدول المناوئة لهذا النظام ليس من طبيعتها تمويل او تخطيط اي تفجير من هذا النوع بل لو كان الامر كذلك فان في ايران وبالذات في طهران مناسبات اكبر ويحضرها رؤوس النظام انفسهم مثل خامنئي وكبار قادة الجيش عندها سيكون الاستهداف هناك اكثر ضرا وإيلاما لو تم تفجيره بل سيكون ضربة معلم حيث انها ستثبت ان النظام ليس له سيطرة على الامن كما حدث قبل فترة عندما تم استهداف احتفال في مناسبة رسمية كبيرة. لكن هناك سؤال يطرح نفسه بقوة: لما مناسبة كهذه واقصد مناسبة مقتل قاسم سليماني لم يحضرها مسؤولين كبار او حتى مسؤوليين محليين ؟
لذا التفجير في مناسبة كهذا ليس من اختصاص او حتى من مصلحة اي جهة خارجية او معارضة سواء الداخلية او الخارجية بل هي بصمات نظام الملالي نفسه ولا احد غيره وذلك للاعتبارات التي ذكرتها يظاف لها التوقيت, فعادة توقيت الجريمة يكشف الكثير والمثير لو حللنا التوقيت بشكل مهني دقيق.
فمنذ اندلاع حرب غزة لم يخفي نظام الملالي شعوره بالرعب بانه المقصود وقد يكون امر اسقاطه مسألة وقت حيث انتفت الحاجة اليه فصارت سياسة خلط الاوراق امله الوحيد في الابقاء على سلطته رغم ان بقاءه طويلا امرا مستبعد بكل مقاييس استراتيجيات السياسة فهو فعلا نظام قد تعفن سياسيا وعقائديا ولا يستطيع مزامنة الحاضر لا دوليا ولا اقليميا ففكرة انه مازال مرغوب من قبل اسرائيل او الولايات المتحدة فكرة تعتنق نظرية مؤامرة وليس لها من التحليل المهني اي نصيب على الاطلاق.
نظام الملالي قد تم القبض عليه متلبسا في عدة محاولات كهذه خارجية لعل ابرزها محاولة تفجير مؤتمر المعارضة في باريس عام 2015 والذي تم التخطيط له بواسطة إرهابيين بلباس دبلوماسي تم القبض عليهم قبل ساعة الصفر حيث تبين انهم كانوا مكشوفين لدى الاستخبارات البلجيكية والفرنسية ومراقبين منذ اللحظة الاولى فتم تركهم يعملون كي يتم القبض عليهم بالجرم المشهود وهذا ماحدث.
ويكاد ان يقول المُريبُ خذوني.
طريقة وسرعة التصريحات والاتهامات المعلبة والجاهزة التي صدرت من رموز نظام الملالي عقب التفجير بساعات قليلة تكشف طريقة صياغتها وتهجمها عن عدة امور:
1.انها تصريحات واجراءات ليست وليدة اللحظة.
2.انها تعكس حالة التخبط التي تصيب نظام الملالي لا سيما منذ هجوم السابع من تشرين الاول/اكتوبر في محيط غزة الذي نفذته حماس وادعى نظام الملالي في عدة مناسبات ضلوعه فيه ثم عاد وتراجع بعد ان شعر ان العقاب سيكون رميه لقمة سائغة في فم الشعب الايراني الجائع.
نعم تخبط مابعده تخبط فمحاولة مثل هذه لتئليب الشارع ضد الخارج او لنقل محاولة للم شمل الشارع حول النظام هي تخبط قاتل فالشعب حتما سيبدأ بالتفكير على مستوى الداخل بان التفجير مصطنع دون ادنى شك فالحزن لا يولد التفكير التفاعلي الايجابي بل السلبي واحتمال اكبر قد يكون ضد النظام نفسه على قاعدة ان النظام ليس له سيطرة امنية على مجريات الامور وابسطها احتفال بمناسبة مقتل احد رموزه ولم يتضرر في الحادث اي مسؤول كان يجب حضوره للاحتفال هذا.
وكالعادة بدأت ردات الفعل الخاوية المعهودة عن هذا النظام المتعفن برمي اللوم والتهديد على إسرائيل التي لا تتوانى لحظة عن الاعلان عن اي استهداف للنظام إذا مافعلت او حتى الولايات المتحدة التي بدأت حملة تصفية لقادة إيران بسهولة متناهية سواء في إيران او العراق او سوريا بالتعاون مع إسرائيل.
هناك نقطة مهمة تكشف شيء مهم وهي, ان رمي الاتهامات على جهة ايضا تكشف ان تلك الجهة التي تدعي الانتصار عليها في خطبك وشعاراتك قد تمكنت منك فعلا باعترافك هذا بل انها تتمكن منك متى وأين شائت دون ان يكون لك القدرة حتى ان ترد عليها بالمثل.
تحيتي
Comments