عندما اندلعت حرب غزة ادعى حزب الله وعلى لسان امينه العام حينها حسن نصر الله الذي قتل بغارة إسرائيلية، انه فتح جبهة اسناد لحركة حماس في غزة، فهل (الاتفاق) الذي وقعه حزب الله (لبنان كحكومة خارج قوس لأنها كانت تنقل وتناقش الشروط الإسرائيلية مع حزب الله حصرا وليس مع باقي أعضاء الحكومة او ممثلي الشعب) مع الولايات المتحدة التي تمثل إسرائيل، فهل (الاتفاق) الذي وقعه حزب الله يمثل الشعار الذي رفعه ويصب في مصلحة جبهة الاسناد هذه او حتى يحترمها فعليا؟
وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس صرح سابقا اثناء الحرب " إذا فشل العالم في سحب حزب الله الى ما وراء نهر الليطاني؛ فإن إسرائيل ستفعل ذلك".
نرى الان وحسب (الاتفاق) ان إسرائيل فعليا هي من فرضت ونفذت هدفها دون أي مفاوضات, بل بعد ان افقدت إسرائيل حزب الله كل قادته بدءا من امينه العام حسن نصر الله مرورا بالقادة الميدانيين وصولا الى عناصر على الأرض سواء في بيوتهم او على خطوط التماس في الجنوب اللبناني بل لم يسلم محاسب الحزب المالي وساعي بريد من بطش الجيش الإسرائيلي بالإضافة الى تدمير البنى التحتية للحزب من مراكز تدريب وقواعد ومخازن اعتدة واسلحة وأنفاق وطرق وشبكات اتصالات وبسهولة متناهية في غضون أسابيع قليلة (ضمن شروط الاتفاق عدم تمكين حزب الله من إعادة هيكلة قواته وهذا الامر مهم للغاية) ارجعت حالة وقوة حزب الله الى ما قبل تشكيله حتى.
بينما صرح صاحب أطول فترة جلوس في منصب رئيس برلمان في العالم بل في التاريخ المدعو نبيه بري الذي يحتل منصب رئيس البرلمان اللبناني الغير منتخب منذ عام 1992 حسب التقسيم الطائفي المؤقت في لبنان، صرح "ان من الاسهل نقل نهر الليطاني إلى الحدود مع إسرائيل بدلا من نقل حزب الله إلى ما وراء النهر". خنوع ودعم كامل لحزب الله على حساب السيادة اللبنانية التي لا يعترف هو نفسه بها أصلا وقد بيّنَ هذا في عدة مناسبات طيلة فترة احتلاله للمنصب.
الجيش اللبناني لم يطلق رصاصة واحدة بل لم يحرك جندي واحد ضد إسرائيل منذ بداية العمليات الإسرائيلية ضد حزب الله داخل لبنان بل ان الجيش اللبناني لم يرسل جندي واحد ضد إسرائيل منذ تأسيسه لغاية اليوم، حتى تم (الاتفاق) بين لبنان والولايات المتحدة مؤخرا والولايات هي أكبر داعم لإسرائيل في حربها هذه سواء ضد حركة حماس او حزب الله. تحرك الجيش اللبناني اليوم هو فقط ضمن شروط هذا (الاتفاق) وذلك لجعل الجيش اللبناني يطرد حزب الله من معقله التاريخي في جنوب لبنان ويتموضع هو بدلا عنه الى ما شاءت إسرائيل او امريكا.
لنتمعن في موضوع مَن الذي صاغ (الاتفاق) وقدمه بل فرضه على حزب الله وليس على حكومة لبنان فحسب لان رئيس الحكومة اللبنانية المؤقت أيضا يقبع في منصبه منذ سنين (تم فرض انهاء مهامه أيضا ضمن الاتفاق من خلال تعيين رئيس للبنان) هو داعم لحزب الله, امر في غاية الأهمية ان نفهم ونعلم مَن صاغ هذا (الاتفاق) وفرضه فحزب الله لا ولن ولم يستطع ان يتنفس منذ بداية شن إسرائيل العمليات العسكرية على لبنان حتى بعد تصفية قياداته العليا، فأمين الحزب الحالي قاسم نعيم مثلا هرب الى إيران في نفس يوم تصفية حسن نصر الله خشية تصفيته أيضا ومازال يقبع هناك.
حزب الله بعد انكساره شعبيا وسياسيا بعد فضيحة هزيمته العسكرية بسهولة متناهية امام اللبنانيين ثم امام العالم لم يستطع حتى اقتراح هدنة للملمة شتاته، وبعد ان قيّمت إسرائيل نتائج الضربات على الأرض علمت انه الوقت المناسب الان لفرض (الاتفاق) والذي تم حياكته بشكل كي يصبح حبل المشنقة ليس حول رقبة حزب الله فحسب بل كل حكومة لبنان كما هو قرار مجلس الامن رقم 1701 الذي استغلته إسرائيل الان لتثبت للعالم ان لبنان لم يلتزم به فحق القول عليها.
الغرب يعلم جيدا ان حكومة لبنان فاسدة ومتعفنة حد النخاع ولا يهمها لا الشعب ولا أي شيء سوى حساباتها البنكية في سويسرا وحان وقت ازالتها لبدء مرحلة جديدة (ليس بالضرورة للأفضل) وهذا ما يفسر إصرار إسرائيل وبدعم امريكي وبريطاني على استبعاد فرنسا من المشهد لأنها تدعم حكومة لبنان الفاسدة، ونجحت في هذا.
لن امر على أطنان تصريحات الزعماء الإيرانيين واللبنانيين الذين اقسموا وأرعدوا وازبدوا بان إسرائيل ستزول بفعل مقذوفات من طراز الحرب العالمية الأولى ملطية بالأدعية والشعارات العاطفية الساذجة يتم تصنيعها في ورش حدادة وخراطة بدائية، لا بل يتهيأ لهم بأن إسرائيل ستزول خلال أيام او حتى ساعات وستندحر بفعل ولا جندي سيتقدم لمحاربة إسرائيل داخل أراضي إسرائيل وهذا امر مهم لمن يفهم أصول الحرب والمعارك واقصد ان هناك فرق شاسع بل مهم ان تقاتل على ارضك ام العدو يقاتل فوق ارضك. لكن يجب ان لا ننسى ان ما كان يعول عليه حزب الله ومن ورائه إيران وهي القاعدة الشعبية في الجنوب اللبناني قد فروا جميعا مع بدأ هطول اول صواريخ إسرائيل بل حتى استجابة لأوامر إسرائيل بإخلاء مدن وقرى بأكملها، ورأينا كيف طوابير السيارات والأشخاص الفارين من الجنوب اللبناني تملء شاشات التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي حول العالم. إذن الهزيمة كانت موجودة في النفوس سابقا اخرجتها الصواريخ الإسرائيلية فلم يقع أي قتال بشرف يرقى ليكون معركة يسجلها التاريخ او على الأقل تاريخ حزب الله.
لماذا الى وراء نهر الليطاني!
تدعي إسرائيل ان نهر الليطاني خط أمان لها كي لا تطال مقذوفات حزب الله شمال إسرائيل والمستوطنات هناك، لكن هل هذا صحيح؟
بسهولة متناهية نجد انه غير صحيح، حيث ان المقذوفات البدائية هذه ممكن ان تصل لمدى ابعد رغم انها غير فعالة بالمرة فكما ذكرت قبل قليل وفي عدة مقالات سابقة انها من تكنولوجيا الحرب العالمية الأولى وتستطيع إسرائيل استمكان (تحديد الهدف) مكان اطلاقها بسهولة متناهية بل بلحظات ومعالجة الامر لكن .... انهاء اللعبة يضر بإسرائيل وليس إيقاف المقذوفات وهذا ما يعيه حزب الله لإدامة الصراع ومناصريه كذلك الذين يصدقون ما يقوله حزب الله وقادته لان ليس لديهم بديل (نتكلم عن سيكولوجية الجماهير وكيفية إدامة الخداع) فالولاء طائفي بحت وليس سياسي او وطني وقد أُثبِتَ هذا الامر مرارا وتكرارا على مر السنين وبأشد الصور وضوحا وأقسى الأدلة وجودا.
في (الاتفاق) تم فرض سحب حزب الله الى ما وراء نهر الليطاني لكن أيضا ان يتم نزع سلاح حزب الله تماما بل حتى المسدسات الشخصية سيتم نزعها من عناصره، نعم هذا من شروط (الاتفاق) فلم يستثنى أي سلاح، فإن لم يتم تنفيذه سيكون لإسرائيل مواصلة الغارات والتوغل الى لبنان وهذه المرة لن يكون فقط لنهر الليطاني وبدعم دولي دون استثناء. فاذا كان دفع حزب الله الى ما وراء نهر الليطاني لتكون إسرائيل في مأمن فلما نزع السلاح أيضا إن كان لا يؤذي إسرائيل!
ان طبق حزب الله الاتفاق ونزع السلاح (واشك في هذا) فان أعداء الداخل كما يصفهم حزب الله منذ عقود سَيُجهِزون عليه قبل إسرائيل نفسها، سينتقمون منه جراء ما فعل بلبنان، فقط بعد دقائق من تأكدهم انه أصبح منزوع السلاح ولم يعد يستطيع ان يرفع بوجههم السلاح، وان لم يطبق حزب الله شروط (الاتفاق) فان إسرائيل سَتُطبِقْ عليه وتجهز عليه بنفسها.
الاتفاق سيجعل ما بقي من حزب الله (بدلاء قادته الذين قتلوا واجهزته ومؤيديه من الشيعة) سيجعلهم أقرب الى اللبنانيين الغير مؤيدين له ولنكن دقيقين، اللبنانيين السنة والمسيحيين على اختلافهم وسيكون حزب الله ومناصريه تحت رحمتهم حصرا.
إبعاد حزب الله الى ما وراء نهر الليطاني نقلَ الحزب الى داخل معسكر (اعدائهم) كأسرى قد يفتح شهية مناوئي الحزب من الداخل سواء أحزاب أخرى او من الشعب لافتراسه وتصفيته تماما عاجلا وليس اجلا، وقد يمتد الامر الى مناصريه, فان اندلعت حرب أهلية (قد تكون قصيرة) فعلى الأقل ان لإسرائيل منطقة عازلة او مساحة كافية للتوغل ما بعد حدودها لدرء تأثير هذه الحرب على مناطقها الشمالية, فلا ننسى ان (الاتفاق) لا يطلب من الجيش الإسرائيلي سوى الانسحاب من الأراضي اللبنانية فقط, أي انه قاب قوسين او أدنى من نهر الليطاني.
هل بعد هذه الحقائق هناك مَن يعتقد ان هناك فعلا اتفاق سلام ام انه اتفاق استسلام!
تحيتي
Comments