
أصدرت شركة برتش بتروليوم البريطانية BP تصريح عدلت فيه توقعاتها لأسعار النفط لثلاثة عقود قادمة بعد أن أصدرت تقريرها عن مستوى الأسعار في نهاية عام 2019 فكيف تستطيع شركة توقع اقتصاد لثلاث عقود قادمة أي إلى عام 2050؟
التصريح نص على ان توقعاتها للأسعار ستكون في حدود 55 دولار للبرميل الواحد (برنت) للفترة من 2021 إلى 2050 وهو اقل بـ 27% الى 31% عن توقعاتها السابقة التي صدرت في تقرير نهاية عام 2019.
مكامن النفط في زيادة مضطردة لدرجة ان لبنان هذا البلد الصغير أصبح يملك نفطا وقبرص أصبحت جزيرة تعوم على النفط بالإضافة الى الاحتياطيات المعروفة لأكبر البلدان المصدرة للنفط القديمة مثل العراق والسعودية والكويت بالإضافة إلى روسيا فهذه الدول تمتلك اكبر حقول النفط في العالم أي أنها تطفوا على بحر من النفط لكن هذه النفوط أصبحت منذ 6 أشهر لا تجد من يشتريها وملأت الخزانات العائمة والغارقة تحت سطح البحر أيضا لدرجة ان التجار والدول المصدرة باتت تبيعه بسعر الكلفة او اعلى بقليل جدا (وصل سعر البرميل تسليم أيار/ مايو 2020 إلى سالب 35 دولار للبرميل أي يتم دفع أموال لك كي تأخذ مقابله نفط وهذا الخزين لم ينفذ بعد ليومنا هذا فالمعروض مازال اكبر من المطلوب).
معدلات النفط قد تكون ستتجه إلى ما هو دون الـ 55 دولار للبرميل فالشركة إن أخرجت هكذا تنبؤ سيكون له عواقب كارثية فورية على أسعار النفط والشركات النفطية والاقتصاد العالمي بشكل عام الآن في غنى عن أي خبر سيء يطيح بأسعار النفط أكثر لكن من ضمن تصريح برنارد لوني المدير التنفيذي لشركة BP قال بالحرف الواحد " بان وباء كورونا يبدو بشكل متزايد بان تأثيره على الاقتصاد سيستمر"
مدير تنفيذي لأكبر خامس شركة نفط في العالم لا يطلق التصريحات جزافا فهي تؤثر في أسعار النفط الدولية ولا يطلقها إلا بعد استشارات وأبحاث من اقتصاديين وسياسيين استراتيجيين دوليين فهذه العبارة تقول الشيء الكثير عن هذا الوباء ومدته التي أصبحت من المؤكد أنها لن تنتهي خلال السنوات العشر المقبلة (أشير إلى مقالتي السابقة عن تصريحات بل غيتس حول الوباء والاستثمار فيه على المدى الطويل) والتصريحات القليلة التشاؤم هي بالونات اختبار وتهيئة نفسية لأوضاع اكثر سلبية من التصريح وهذه طرق تعتبر جيدة لمنع الذعر Panic من السيطرة على السوق في الوقت الراهن.
أسعار النفط سوف تكون بمستوى اقل من 55 دولار للبرميل من بعد 2021 وقد يكون لسنين طويلة بل سيصبح النفط سلعة ثانوية تماما بالوصول إلى عام 2030 وما بعده (كان الملح يوما مادة تُشعل الحروب لأنه أساسي في حياة البشر بل حياة البشر قائمة عليه ثم صار إلى ما صار اليه بعدها بفعل التقدم العلمي وإيجاد بدائل وطرق إنتاج مبتكرة وتطور أساليب الحياة وبروز مصادر دخل أفضل حيث كانت الصين هي أخر دولة ترفع عقوبة تهريب الملح وهي الإعدام إلى حد قبل سنتين تقريبا)
المكامن النفطية والمحتملة تزيد بشكل غير مسبوق منذ اكتشاف النفط الخام في بنسلفانيا عام 1875 كما أوردتُ وكُلف الإنتاج في ارتفاع شئنا أم أبينا فأسعار الأشياء والضرائب تسير إلى ارتفاع عادة وحتما لا إلى انخفاض مما له الأثر على أسعار النفط وتكاليف الاستخراج الأمر الذي سيؤثر حتما على الربحية بطريقة سلبية.
اقتصادات الدول العربية المنتجة للنفط وهنا سآخذ العراق كمثال مرعب، اقتصاداتها مبنية على مدخول النفط بنسبة تزيد على 101% رب سائل يسال كيف 101%؟
العراق دولة دستورها الفساد وقد باع حكام ما بعد عام 2003 في العراق النفط بأكمله والى عقود قادمة للشركات النفطية العالمية فأصبح كل سياسييها موظفين لدى هذه الشركات وطبعا بغطاء أمريكي - دولي لان مصالح أساطين النفط فوق كل اعتبار أخلاقي وإنساني او ديمقراطي، لكن المال السائب لا يبرر الجريمة.
يحتاج العراق حاليا إلى سعر برميل نفط 61.5 دولار (سعر النفط بقوة الدولار الشرائية اليوم وليس بعد عام 2025) لكي فقط يدفع رواتب موظفيه وإدامة الخرائب التي تسمى وزارات ودوائر خدمية ومستشفيات انتهت صلاحيتها جميعا منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي إثر فرض أقذر حصار على شعب في التاريخ الحديث ولم يتم إصلاح أي بنى تحتية او استثمارية في العراق لحد يومنا هذا وبأوامر أمريكية مباشرة بل عملت على ضمان عدم نهوضها ليومنا هذا (اشترك في الحصار أكثر من 200 دولة بضمنها الدول العربية جميعا عدى الأردن واليمن فقد وقفوا إلى جانب الشعب العراقي ولم يُرغ بالكامل ليومنا هذا منذ فرضه عام 1989)
فبدأ العراق بالاستدانة بعد عام 2003 وبلغت ديونه الخارجية لحد هذه السنة 2020 أكثر من 43 مليار دولار (حسب تقارير صندوق النقد الدولي وهي غير دقيقة) دون احتساب الدين الداخلي متوقعة بقائها في نفس المستوى للسنة القادمة 2021 أيضا أي لا تحسن أبدا ولا بصيص امل حتى وهذه الديون لها فوائد مادية وسياسية مُجحفة ومُذلة وتزداد بازدياد مدة الدفع بل يترتب على أي تأخير فوائد تأخيريه مضافة لا مستقطعة.
القروض الضخمة تكون مضمونة بضمانات سيادية حصرا ولا يوجد بنك سواء صندوق النقد الدولي او أي بنك تجاري أخر يمنح قروض لدولة بضمانات شخصية او مجرد تقارير إعلامية طموحة او مصانع وشركات تمشي بأمر الأسواق إنما فقط بضمانات سيادية أي بالثروات المعدنية لتلك الدولة أي النفط وهذا هو الحال حيث لا يوجد لدى الدولة النفطية أي ضمانات ذات قيمة لهذه القروض غير النفط أي ان النفط هنا تم بيعه مرتين مرة بسعر السوق الذي هو متدني جدا ومرة أخرى كضمان للقروض التعجيزية لتمشية الدولة بأدنى المستويات أي فقط للحفاظ على ما هو عليه ولا مجال أبدا للتطوير او الاستثمار للأجيال المقبلة (خطط الدول الخليجية المنتجة للنفط خطط على الورق لاتعدوا كونها خطط إعلامية وذات مردود صفري حيث هي تنصب على استثمار استهلاكي بحت فالاقتصاد المتين لا يقاس بحجم السوق العقاري ولا يعتمد عليه أصلا كاستثمار للأجيال) فما موجود من استثمار فعلي لا يتناسب لا مع الزيادة السكانية المستمرة ولا مع قوة الدولار الشرائية مستقبلا ولا مع متطلبات الأجيال المستقبلية أي ستظهر مشاكل التضخم بأشكال لم تعهدها هذه الدول من قبل.
هذا هو الاعتماد 101% على النفط وطبعا من يستند على حائط مائل او متداعي أصلا فسيسقط هو والحائط عاجلا ام آجلا بلا أدنى شك.
بالإضافة لما تقدم يجب ان نضع بعين الاعتبار ان اقتصادات الدول الخليجية والعراق مرتبطة بالدولار ربطا مباشرا (العراق مرتبط بطريقة مريبة بالدولار حيث ان البنك المركزي العراقي قد ثبت سعر الصرف تبعا لأوامر الاحتياطي الفدرالي الأمريكي وليس حسب السوق أو لتطويره وذلك لأغراض سياسية وليس اقتصادية لذلك نرى ان سعر صرف الدولار المحلي يرتفع في حين انه ينهار في العالم كله وارتفاعه عادة مرتبط بمدى حاجة ايران للدولار للالتفاف حول العقوبات الاقتصادية الأمريكية وكذلك العقوبات ضد سوريا) هذه الدول أي الخليجية والعراق مرتبطة بصحة الدولار وقد راينا كيف في الأزمة المالية عام 2008 (الأزمة المالية بدأت في الولايات المتحدة واعترفت مرار أمريكا بانها المتسبب وبتعمد) أوشكت اقتصاديات هذه الدول على الانهيار تماما بل صار الحديث عن ضرورة فك الارتباط من الدولار علنا وهو ما جعل الولايات المتحدة تهدد عروشهم علنا بان أي فك للارتباط بالدولار سيقابله قلب أنظمة حكم وبالفعل اخترعت لهم الربيع العربي بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية وعصابات لم تخطر ببال مثل تنظيم داعش الإرهابي الذي وصل إرهابه لعقر دارهم بل اجتاحت 66% من مساحة العراق كي تكون على حدود السعودية في غضون أيام بلا أي مقاومة تذكر فانشغلت هذه الدول عن الانفكاك من الدولار( لم يصل داعش إلى ايران او إسرائيل او تركيا بل لم يطلق رصاصة واحدة تجاه هذه الدول التي يدعي معاداتها).
الانفكاك من الدولار سيطيح بالدولار دوليا (نرجع إلى معاهدة البترو- دولار الموقعة في خمسينيات القرن الماضي بين السعودية وأمريكا) لكن هل بات انهيار الدولار الآن حتمي وماهي الأسباب!
قوة 55 دولار الشرائية عام 2030 ليست كقوتها الشرائية عام 2021؟
في مقابلة مع قناة CNBC الاقتصادية الأمريكية قال ستيفن روش وهو أحد أكبر الكتاب الاقتصاديين في العالم ومدير بنك مورغن ستانلي – أسيا السابق قال بالحرف الواحد "ان الدولار سينهار حتما وان قوة الدولار الآن تعيش في الوقت الإضافي"
وأضاف إن خروج أمريكا من العولمة بالإضافة إلى الدين الأمريكي (بلغ هذه السنة 4 تريليونات دولار) سيشعل انهيار الدولار.
عند النظر إلى معدلات الادخار الوطني الأمريكي (محصلة يُعتمد عليها في تحليل وتقييم قوة الاقتصاد) سنرى ان هذه المعدلات في تناقص مرعب خلال السنوات الأخيرة بل شهدت معدلا متدني هذه السنة مما له الأثر على مستقبل الاقتصاد الأمريكي والعملة بالإضافة إلى انسحاب الولايات المتحدة من العولمة كما أسلفت وهي سياسة قد تكون عززت ما يسمى Macro-economic imbalances أي اختلال توازن الاقتصادات الضخمة فبدأت هذه الاقتصادات بالترنح فعلا والمرعب في الأمر أنها قد تجنح للفردية أي ستنأى بنفسها عن الباقين حيث كانت متحالفة معهم في معاهدات وأحلاف لحماية اقتصاداتها وشعوبها والا ستخرج هذه الشعوب لتأكل الأغنياء (الثورة الآن في أمريكا أشعلها مقتل أمريكي من اصل أفريقي ولو ان عدم المساواة منتشرة في الاقتصاد الأمريكي لما اشتعلت هذه الثورة حيث قُتل العشرات أمثاله من قبل ولم تشعل أي ثورة).
ستجنح الاقتصادات هذه مرة أخرى إلى الفردية (عودة الى النظام العالمي القديم) للحفاظ على مكتسباتها وهذا ما يجري فعلا الآن فالدول لا سيما بعد جائحة كورونا أصبح كل واحد يغني على ليلاه ولم يكترث أيا منهم لأي اتفاقية إلا في تصريحات خجولة هنا وهناك لكن واقع الأمر يقول غير ذلك تماما.
أعود إلى أسعار النفط وتصريح بيرنارد لوني المدير التنفيذي لشركة BP إذ قال مبررا خفض توقعات الشركة لأسعار النفط المستقبلية "بان وباء كورونا يبدو ان تأثيره على الاقتصاد سيستمر" على حد قوله.
مدير تنفيذي لخامس أكبر شركة نفط في العالم لا يطلق التصريحات جزافا فهي تؤثر في أسعار النفط الدولية ولا يطلقها إلا بعد استشارات وأبحاث من اقتصاديين وسياسيين استراتيجيين دوليين بالإضافة إلى خبرته والتي هي الفيصل فهذه العبارة تقول الشيء الكثير عن هذا الوباء ومدته التي أصبحت من المؤكد أنها لن تنتهي خلال السنوات العشر المقبلة (أشير إلى مقالتي السابقة عن تصريحات بل غيتس حول الوباء والاستثمار فيه).
العجز في الميزان الأمريكي عام 1929 كان مليار دولار فقط
وبلغ 236 مليار دولار عام 2000
وبلغ 4 تريليون دولار عام 2020
هذه نبذة عن قيمة الدولار خلال اقل من قرن وسرعة تدهوره، فالدولة المدينة بأرقام فلكية متصاعدة وليس في الأفق ما يشير إلى أنها ستخفض هذه الديون لن يبقى الاقتصاد العالمي متكلا على عملتها.
تحيتي
Comentários