top of page
صورة الكاتبرياض بـدر

هل فعلا ترمب خيار امريكا الجيد !



 

لم يخف ترمب مشاعره ولا توجهاته تجاه اعدائه وخصومه ابدا فهذه هي شخصيته. هنا سأتطرق لهذا النوع من الشخصيات وما قد يكون مستقبلهم جراء سياساتهم التي تطغى عليها نزعاتهم الشخصية أكثر من البراغماتية او الواقعية التي تتطلبها السياسة وهي جوهر السياسة التي تعرف بانها فن الممكن.


في القرون الماضية هكذا شخصيات كان من الممكن انها تحدث تغييرا دوليا من خلال أيضا استقطاب مؤمنين بهم وبآرائهم أي ان هذه الشخصيات تحدث فلسفة سواء جديدة او تُحيي فلسفة قديمة فتحمي نفسها من خلال التوسع فتشكل قوة لا يستهان بها. لكن في عالم ما بعد الحرب العالمية الاولى انتهى هذه الشيء بدليل ظهور هتلر وما حدث له ولرايخه الثالث وداعميه.

 

فحتى عندما ظهر الاتحاد السوفيتي مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية فهو فكر ظل متأرجحا بين الماركسية والشيوعية ومخطأ مَن يظن ان الاثنين وجهان لعملة واحدة. فانتهت الشيوعية والماركسية فيه سويا والى الابد لسبب بسيط جدا، انها انغلقت على نفسها فعاكست قوانين الطبيعة فأطبق العالم عليها وانتهت بينما يخبرنا الواقع والتاريخ ان المرونة التي تبديها الرأسمالية رغم عيوبها الغير قاتلة مازالت هي الحصان الأسود لقيادة العالم ولعل أكبر دليل بعد دليل سيطرة الغرب من خلالها للعالم هو تبني الصين الدولة الشيوعية لمبادئ رأسمالية بل بالكاد تتنفس الشيوعية في الصين فصارت الصين تنافس بشراسة على القيادة بعد أكثر من قرن من سيطرة الغرب على العالم بواسطة العقيدة الرأسمالية. لذا لم نرى ومنذ نهاية الستينيات من القرن الماضي وليوما هذا دولة او شعبا اعتنق الشيوعية لكن رأينا الكثير بل يكاد الجميع يهرول نحو الرأسمالية، فكما ذكرت لعل اكبرهم هي الصين كذلك روسيا التي نبذت الشيوعية قلبا وقالبا بل ان أكبر حزب معارض للرئيس الروسي فلاديمير بوتين هم الشيوعيين الروس الذين يريدون ارجاع عقارب الساعة الى الوراء.

 

ظاهرة ترمب


قبل ان الج في شخصية ترمب وسياساته المعروفة يجب ان نعلم امرا في غاية الأهمية، وهو ان الولايات المتحدة الامريكية قامت وتأسست بدماء المهاجرين بل ان قوتها مستمدة من الدم الجديد كما يُسمّون ولا يوجد شخص واحد من قادة أمريكا سواء السياسيين او الاقتصاديين او الاجتماعيين او العسكريين او الادبيين او الفنيين او مجال اخر من مجالات الحياة إلا وينحدر من أصول مهاجرة بالإضافة الى باقي الشعب برمته ودون استثناء. هذا هو سر قوة الولايات المتحدة الامريكية ومن يحاول ان يغير هذا اذن هو يهاجم مركز قوتها وحتما سيواجه حربا لا هوادة فيها.

 

في بداية تسعينيات القرن الماضي حدث ولأول مرة ان تم مناقشة تحجيم او تقنين الهجرة في الولايات المتحدة لا سيما موضوع اليانصيب السنوي Diversity Immigrant Visa الذي بموجبه يتم منح قرابة 55 ألف إقامة لأشخاص من خارج الولايات المتحدة دون أدنى شروط فنهض أحد أعضاء الكونغرس وقال " ان أمريكا تعتاش على الدم الجديد، والمهاجرين هم دم أمريكا المتجدد" وبالفعل تم اسقاط مشروع القانون وليومنا هذا.

 

تيارات الولايات المتحدة المتعاكسة

 

تتصارع عدة لوبيات في قيادة عالمنا ومنذ قرون وليس الان، واظن انهما بشكل عام تيارين فقط (هما دولتين بالأحرى فرنسا وبريطانيا حصرا) مع تفرعات جانبية تصب في النهاية في مصلحة التيار الرئيسي.


في الداخل الأمريكي، ترمب تدعمه الكنيسة كذلك يدعمه تيار البنوك والشركات العابرة للقارات رغم ان هناك معارضة من قبل بعض الشركات هذه، فمعروف ان الجمهوريين هم لوبي رجال الاعمال والشركات القيادية والمصرفيين، والديمقراطيين هم لوبي يعزز ويهتم بسياسات الداخل مع اجندة متنوعة من دعم كافة الميول والحريات سواء الدينية او الجنسية او العرقية ولا يميل للشركات كثيرا لا سيما النفطية. وهنا هو مقتل الديمقراطيين في الانتخابات الأخيرة حيث ان موضوع دعم وتشريع الانحراف الجنسي وجه لهم ضربة قاصمة استغلها ترمب وفريقه أبشع استغلال فكما شرحت ان ترمب هو جناح يميني متطرف لا يؤمن بل يكفر الشذوذ بالإضافة الى تورط الديمقراطيين ولأول مرة بإشعال حرب وهي الحرب الروسية الاوكرانية. اما موضوع ان العرب في ميشغيان ساعدوا ترمب في الفوز فهذه نكتة الموسم.


جناح اليمين الذي ينتمي له دونالد ترمب هو ضد كل هذا التنوع، كذلك ان الشعب الأمريكي بشكل عام لا يحبذ هذا النوع من الحريات واقصد حريات مثل زواج المثليين وفرض مناهج دراسة تشجع على الشذوذ الجنسي لانه شعب مازال يعتنقد التعاليم الكاثوليكية وهذا امر في غاية الامر يجب ان نعيه. من ناحية أخرى أيضا هناك بعض الشركات قد تستأنس بسياسات الديمقراطيين لكن فقط من ناحية تسهيل استثماراتهم وحمايتها خارج الولايات المتحدة لا سيما في الصين عدو ترمب اللدود.

 

فعلى سبيل المثال لا الحصر, عندما يأتي رئيس جمهوري للبيت الأبيض نرى انتعاش غير مسبوق للبورصات وان كان انتعاشا غير حقيقي ولا طويل الأمد ومحفوف بالمخاطر بل بالمجازفة كما حدث ابان الازمة المالية عام 2008 والتي اعترفت البنوك بانها تقف وراءها بل وبتعمد مسبق منذ كان الجمهوريين في السلطة فانفجرت الفقاعة بوجه باراك اوباما, والان نرى نكتة اقتصادية تدعى العملات المشفرة, فعملة مشفرة (بتكوين) مجهولة مبنية على أسس غير اقتصادية ولا مصرفية ولا حتى قانونية تقفز هكذا قفزات دون أي سبب فقط لان شخصية سياسية صرحت لصالحها, هذا ليس من الاقتصاد في شيء ولا حتى ادنى معايير الاقتصاد لكن عندما نعلم حقيقة مَن يقف خلف هذا الارتفاع ومَن هو المستفيد سنفهم الامر جيدا. (أتوقع انهيار كبير قبل نهاية الربع الأول من 2025 ان لم يكن مع بداية العام نفسه).


اعود الى شخصية ترمب. فهي شخصية تخلق أعداء لا أصدقاء او حلفاء وقد ثبت هذا طيلة حياته بل معروف عنه سابقا بكلمة انت مطرود You are fired  فالمدير الناجح لا يطرد موظفا وان اخطأ إلا في حالات نادرة لكن ترمب يفصل أي مدير مهما كان ذو خبرة ومنصب حساس فقط لأتفه الأسباب وكانت اغلب هذه الحالات عبارة عن ردة فعل نفسية شخصية لا اكثر.

 

خلق ترمب لنفسه أعداء لدرجة انه شكّلَ منهم (بقصد او دون قصد) كارتل مناوئ له وقوي بل شرس سواء داخل الولايات المتحدة او خارجها واقصد في أوروبا خصوصا الاتحاد الأوروبي برمته بالإضافة الى المناوئين التقليدين في اسيا وهذا الامر في غاية الخطورة لسياسات الولايات المتحدة الخارجية لا سيما اعداءه اللدودين من جبابرة الاعلام وهوليوود الذين لايودونه على الاطلاق ولا ننسى انه توعد على سبيل المثال مارك زوكربيرغ بالسجن ان هو وصل الى البيت الأبيض وقد تكون صداقة ترمب المفاجأة لتطبيق تيك توك هي تحضير لاعطاء التفوق لهم على شركة ميتا التي تصارع فعلا من اجل البقاء.

 

ستعمل أوروبا بكل تأكيد لاحتواء سياسات ترمب وهذه المرة قد لا يظفر بدعم او صداقة كاملة من بريطانيا فرئيس وزرائها الجديد ستارمر يجدف مسرعا نحو الاتحاد الاوروبي لرأب الصدع العميق الذي أصاب العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بل انه وبكل وضوح أشار ستارمر ان سياسته هي التقارب مع الاتحاد الأوروبي وهذا الامر سيضعه تحت نياران ترمب الذي لطالما رحب بالانفصال و التعارض بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي وهو الذي هنأ لندن بعد البريكزت Brexit  الذي أودى بالاقتصاد البريطاني في بئر لا قرارة له. بينما ترمب لا يكن الود للاتحاد الأوروبي متناسيا ان سطوة ومكانة الولايات المتحدة في العالم لم تتم إلا عن طريق أوروبا ولن تستمر يوما واحدا دون أوروبا.

 

اشارت عدة وكالات إخبارية دولية واقليمية لقائمة أعداء ترمب الذين من المرجح انه سيقتص منهم, لكن ما لفت انتباهي واستغرابي ان هذه الوكالات لم تضم الى تلك القوائم أي جهة او شخصية من الشرق الأوسط وعلى وجه التحديد العرب.


نعم ترمب لا يود العرب على الاطلاق واقصد لا يود سياساتهم ويعلم انها دول متخلفة جدا، فهو أولا وقبل كل شيء يميني متطرف أي متعصب للمسيحية وبالذات قضية تفوق العرق الابيض ولا يجب ان ننسى هذا ونضعه نصب اعيننا في تحليل سياسات ترمب، إما دعمه وسياساته التي يدعي انها سلمية فهي تصب لمصلحة إسرائيل والولايات المتحدة حصرا وليس لمصلحة وتطلعات شعوب مازالت تؤمن وتعمل وفق فتاوى القرون الوسطى تستورد الخبز والبيض وملابسها الداخلية ليومنا هذا وتعتقد ان بناء برج سكني او مجمعات سكنية هو تطور، يا لبؤسهم.

 

ترمب أيضا يجدف بعيدا عن الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وهذا برأيي خط احمر ان فعلا تجاوزه ترمب فقد يحدث ما لا يحمد عقباه قد تصل حد تصفيته إن شط بعيدا عن حلف الناتو، فحلف الناتو ناتج مهم وخطير وتاريخي واساسي لبقاء سيطرة الغرب او على الأقل إبقائهم حول طاولة القيادة الدولية ومن يحاول زعزعة هذا الحلف لن يلقى مصيرا محمودا.

 

نعم قائمة أعداء ترمب تتضمن دول عربية من الشرق الأوسط وهذا ما يُسعد إسرائيل ويسعد الى حد ما الاتحاد الأوروبي الذي يريد قطع الجسر الذي تود الصين العبور من خلال نحو أوروبا في مشروعها الطريق والحزام الذي بدأ الاتحاد الأوروبي خطوات ملموسة في منع تقدمه لكن في نفس الوقت، بدأ الاتحاد الأوروبي بضرب شركات التكنولوجيا الامريكية بسلسلة عقوبات وغرامات تاريخية غير مسبوقة وفي الجعبة المزيد.


تعيينات ترمب مازالت محصورة في اشخاص ينتمون رسميا في لوبي يسمى معاداة التنوع والمساواة والاندماج DEI  وهؤلاء تقريبا جميعهم عديمي الخبرة المهنية لمناصبهم بل لديهم عداوات شخصية مع قادة داخل الولايات المتحدة, فمثلا تعيين مذيع في قناة فوكس نيوز وهو بيت هيغسيث وزيرا للدفاع ليس مصادفة, فقد ضرب البنتاغون بصدمة حيث يعلمون ان تعيينه فقط لأنه متطرف, فقد هاجم هيغسيث في مقالاته رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال المخضرم 4 نجوم تشارلز براون فقط لأنه اسود, بل دعى لإقالة براون, "أي جنرال أو أميرال أو أي شخص كان متورطًا في أي من أعمال DEI "الوقحة" يجب أن يرحل" هذا هو تصريح بيت هيغسيث من قبل, كذلك لا ننسى ان وزير الدفاع الأمريكي الحالي هو من السود, فحتما سيقوم هيغسيث بطرد براون من المنصب. بالإضافة الى شخصيات عدة اوصلها دونالد ترمب الى مناصب مهمة لها سجل معروف في التطرف والعدائية لحركات ونشاطات الـ DEI لا سيما ضد المهاجرين.


قد يكون الامر الوحيد الذي بدأ ترمب إصلاحه وسيحسب له ان كُتب له النجاح، هو اصلاح التعليم وطرد التيار اليساري منه. حيث ان هذا القسم الحيوي في أي بلد مسؤول عن تنشئة الأجيال وحاليا يتم فرض أفكار وايديولوجيات تتنافى مع القيم الإنسانية بحجة حرية الاختيار والتعبير، على سبيل المثال؛ المثلية الجنسية وتصنيف الأعراق وغيرها من أفكار بدأت بالفعل بالانتشار في الولايات المتحدة بعد اوروبا بل ستصل حد الفرض من خلال حمايتها بقوانين صارمة وان كان انتقادها أيضا حرية رأي لكن لا يؤخذ به على انه راي مخالف بل على انه إهانة او اقصاء وهذه هي احد معضلات الأمم المتقدمة الان وقد تقع في المحظور ان لم يتم حل هذه المعضلة فقد ينشأ جيل مثلي متطرف بحجة حقوقه التي تحميها العقوبات ضد الاخر.


شخصية كشخصية ترمب لا ترى في أي راي اخر إلا عدو له يجب التخلص منه فورا، هذا يعني، ان قسم من الذين اختارهم الان او سيختارهم غدا إن لم يكن جميعهم، قد لن يستمروا طويلا معه فهو اختار (كما يظن هو) اشخاص يتماشون مع اجندته ويخدمونها وهذا دون أدنى شك يحمل بين اضلاعه تضاد واضح فالتقاء التوجهات لا يعني دائما استمرار الود حيث ان شخصيات مقاربة له يعني شخصيات صدامية أيضا وذات رأي شرس وغير مرن. وقد يستبدلهم بمن هم اشد تطرفا!


هذه الخلطة الجهنمية من التضارب لن تُنتج سلاماً، بل ستُنتج غبار النَّقعِ



تحيتي

 

 

٦٧ مشاهدة٠ تعليق

منشورات ذات صلة

عرض الكل

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page