كي نفهم احد اهم جوانب الحروب الطويلة (ليس المعركة بل الحرب) فعلينا قراءة ما يجري على ارض المعركة لا ما تتناقله وتصوغه أبواق إعلامية لها أجندات مغرضة ومكشوفة وتاريخ طويل في فبركة المعلومات وقلب الحقائق, فكل منتصر كان قد (خسر) معارك عديدة أثناء حرب انتصر فيها في النهاية.
منذ فترة صّدقَ وأكاد اُجزم بأن كُل مَن يتابع الحرب في أوروبا صّدقَ أخبار أبواق حلف الشر (الناتو) بان الجيش الروسي يخسر ويتقهقر.
التقهقر المزعوم أولا انه في داخل أوكرانيا وليس في داخل حدود روسيا الاتحادية وهذا شيء في غاية الأهمية اي أنها أراضٍ جرى الاستحواذ عليها في معارك سابقة وبسهولة وسرعة.
الحرب مستمرة منذ اكثر من 7 اشهر والنتائج الملموسة والحقيقية هي ما يجرى على ارض العدو الرئيسي وليس ارض قرقوزات في أوكرانيا وكييف, فالاقتصاد الغربي دخل في أسوأ أزمة اقتصادية بتاريخه, نعم هي الأسوأ على الاطلاق منذ اكثر من 90 عاما (أثناء الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي) يحاول تغطيتها بحرب عسكرية وفشل ايضا.
فعندما تُحارب عدة دول مرة واحدة يجب ان تفكر في أمرين او هدفين لا ثالث لهما :
1. المعارك على الأرض والتي من خلالها يحاول العدو إشغالك وعرقلة تقدمك سواء عسكرياً او بين الأمم وخلق مُستنقع لك وهنا اقصد الجيش والمرتزقة النازيين الجدد في أوكرانيا, فهؤلاء عليك بتدميرهم عسكريا وتطويقهم قدر الإمكان لكن عدم القضاء عليهم تماما إلا في مناطق معينة كي تستخدم هزيمتهم كنقطة إعلامية ضد انفسهم وضد الإعلام الغربي من خلال تكبيدهم خسائر مستمرة مثلما حدث في ماريوبل وغيرها, وطبعا لا احتاج ان أقارن بين القوتين عسكريا فهذه نكتة.
2. استنزاف العدو الأكبر, حيث انه هو الممول الأول للحرب وقرقوزاته في كييف ويكون هدفك القضاء عليه نهائيا كي لا يعود لك مستقبلا أبدا.
أطلق بوتين على هذه الحرب اسم العمليات العسكرية الخاصة في أوكرانيا, ويجب ان ننتبه الى مقصد ودقة التسمية.
اي انها لا تقصد ولن تكون حرب او عملية هدفها الأوحد احتلال أوكرانيا بأكملها فأوكرانيا في العقيدة الروسية اغلبها من أصول روسية (هي أصلا ارض روسية) وهذا سيقلب الود والانتماء التاريخي الى عداء, لذلك نلاحظ كان هناك بطء في تقدم القوات الروسية في بداية المعارك وذلك لتجنب ايقاع خسائر بين صفوف المدنيين.
فبدأت الأهداف الرئيسية للعمليات بالفعل تتحقق وهي تدمير قواعد حلف الشر (الناتو) التي بنوها على الحدود الروسية من مراكز تدريب ومخازن أسلحة ومختبرات بايولوجية بل حتى أسس لبناء ترسانات نووية والقضاء على فرق النازيين الجدد واسر من تبقى منهم وكانت ضربة قاصمة جعلت حلف الشر في هستيرية ليومنا هذا لسرعة الرد وقوته, وهنا نتكلم عن امر مهم لا يجب نسيانه اي ان الهزائم لا تنسى بالتقادم إطلاقا وتقاس على تدمير الاهداف طويلة الأمد اي هدف حلف الشر في التوسع فقد قضي على حلمه في تطويق روسيا تماما وهذا امر لا يقبل الشك او النقاش واصبح من الماضي.
إطالة أمد الحرب اضر حلف الشر اكثر بكثير من إضرار روسيا والانهيار الاقتصادي في الغرب في استمرار مرعب وهنا نتكلم عن استنزاف أراده حلف الشر لروسيا فإذا به يسقط هو فيه وبكلتا يديه وبتخبط تام غير مسبوق في تاريخ الغرب.
إنهاء الحرب من جانب روسيا يُعطي قبلة حياة لحلف الشر فهل من المعقول ان يتركهم بوتين بعد ان امسك برقبة حلف الشر, هذا تهريج.
هنا تبدأ خطة الاستنزاف الاكبر وتكون عادة حصرا أثناء معارك عسكرية وهي ببساطة:
التخلي ولو وقتيا عن ما يسمى عسكريا موضع قدم أمام الجبهة فكأن يتم الانسحاب من تلك القرية او البلدة الغير مهمة ولا حتى استراتيجية وذلك لسحب العدو للدخول إليها لجعله يعتقد انه يحقق تقدم ولا يجنح للمفاوضات لشعوره بالانتصار وبالفعل هذا ما حدث عندما صار يعلن قرقوز كييف انه لن يتفاوض مع بوتين ابدا فقط بعد انسحابات روسية من مواضع قدم.
ترك بعض الأليات الغير مهمة في ساحة المعركة للعدو سيقنعه بانه ينتصر وان الانسحاب ليس فخاً او كميناً مع تغيير في القيادة العسكرية امرا كان بمثابة إضفاء ختم تصديق الوهم لحلف الشر بان بوتين يتقهقر وانه يواجه مشاكل داخلية.
تغيير القيادة كان بمثابة بداية الشوط الثاني من المباراة وهكذا يجب ان ننظر اليه, عندها ستتغير قناعتنا وكيفية تحليل ما يحدث (قد تكون صعبة الفهم لمن لم يمارس عمل عسكري من موقع قيادة في حرب فعلية) دليل كلامي هذا, ان حلف الشر قام بعملية نوعية ضد أهداف داخل روسيا وهي مهاجمة جسر القرم بمجرد شعوره بالانتصار, فماذا كان الرد الروسي!
تم ضرب أهداف حيوية بقوة وشراسة شلت أوكرانيا ليومنا هذا بل شلت تفكير حلف الشر (الناتو) وأدخلته في تخبط لا يدري ما يقول ويفعل حيث تأكد لديه بان التقهقر الروسي لمن يكن سوى خديعة وفخ نُصب لهم ووقعوا فيه.
فالتقدم الروسي على الأرض بدأ منذ تلك الغارات وليس كما تفعل أبواق الناتو الان وكأن الغارات كانت بسيطة وانتهت فالعمليات العسكرية اشتدت منذ ساعة بدأ الغارات ولغاية الان واستعادة مواضع القدم جارية على قد وساق لا سيما في الدونيتسك لكن أبواق الحلف لا تغطيها لأنها ستزيد الطين بله وستكشف حقيقة الفخ الذي سقطوا فيه وها هي مرتزقتهم تلوذ بالفرار مرة اخرى من المعركة تاركة ورائها الجثث والمعدات.
فخرج الرئيس الفرنسي ماكرون بل حتى بايدن يحاول من تهدئة بوتين وجره للمفاوضات منذ ساعات الامر الذي رفضه بوتين, فهل سمعتم يوما بان منتصر يجنح للمفاوضات !
الاستنزاف يأتي أُكلهُ بصورة مُضطردة وهذا هو أسلوب الحروب الذكي لتقليل الكلفة وتضخيمها على العدو الذي ينزف بغزارة.
نرجع الى حرب الاستنزاف, سنرى كيف ان قرية بائسة هنا او هناك جعلت الجيش الأوكراني وحلف الشر ينزف كثيرا فالمُنسحب لم يكلفه الانسحاب منها سوى بضع لترات من الوقود في حين العدو سيصطدم بالألغام والقصف المكثف (عند اقتحام منطقة دون قتال تصبح القطعات المتقدمة مكشوفة جوا وبرا حيث لم تتحصن بعد يغريها الاعتقاد بالانتصار السريع بالإضافة الى أنها بلا غطاء جوي اصلا) فبدأت عمليات اصطياد الجيش الاوكراني الذي دخل الكمين برجليه مع ما بقي من النازيون الجدد فإذا بقرقوزهم في كييف يصرخ فجأة ولم يفهم صريخه الاكثرية, يستنجد بالناتو لإرسال أسلحة متطورة فورا, هل فهمنا ما يدور على الارض الان !
نعم كان فخا ضخما احرق عشرات المليارات من اليوروات بلمح البصر بالإضافة الى معدات وافراد ومرتزقة راحوا في ساعات ولم يكلف روسيا سوى بضعة براميل نفط رخيصة وطلعات طائرات مسيرة أرخص من ايران.
حرب الاستنزاف اخطر من حرب الأسلحة بكثير لا سيما عندما تكون بين طرفين احدهما لا يقهره سلاح والاخر مُفلس تماما ( الاتحاد السوفيتي انهار بسبب الاستنزاف وليس بسبب حرب عسكرية وكأن الاية قلبت الان).
تحيتي
Comments