صورة قرأتْ الجميع قبل ان يقرأوها
- رياض بـدر
- 23 أغسطس
- 6 دقيقة قراءة
تاريخ التحديث: 24 أغسطس

بعد انتهاء قمة الاسكا التي جمعت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي دونالد ترمب في ولاية الاسكا مباشرة هرع رهط من قادة أوروبا على الفور الى واشنطن دون تلقي دعوة رسمية او غير رسمية من دونالد ترمب وهذا لم يحدث من قبل ولم يتكلم عنه الاعلام. (غالبية المحررين من الغير مهنيين لا يفقهون أصول الدبلوماسية ولا البروتوكولات الرئاسية).
بعد لقاء القمة بين بوتين وترمب استدعى ترمب الرئيس الاوكراني فلوديمير زلينسكي على الفور ولم تكن دعوة وهذا فرق في العرف الدبلوماسي بل انه اتصل به من الطائرة الرئاسية اير فورس 1 اثناء عودته من القمة ليستدعيه فورا الى البيت الأبيض ليوافق على الاتفاق الذي عقده مع بوتين وفعلا طار زلينسكي فورا الى واشنطن لكن ....
علم الأوروبيين ان المشهد الساخر الذي حدث في فبراير الماضي سيتكرر لكن هذه المرة قد يكون بكارثة سياسية فهرع الأوروبيين فعلا دون دعوة الى البيت الأبيض الذي كان واضحا انه لم يستقبلهم رسميا ليس رفضا لكن لم يكن مهيئ كما اتضح (وقد تكون رسالة عدم ترحيب فهذه عادة ترمب) ولم يكن الاجتماع الأول بين ترمب وزيلينسكي ذا حضور أوروبي.
لم تنشر أي قناة او صحيفة او موقع غربي عما جرى داخل الاجتماع بين قادة أوروبا والرئيس الأمريكي دونالد ترمب. ابدا لم يظهر أي تسريب ولا حتى تحاليل مهنية دقيقة وعميقة ومنطقية على الاطلاق وهذا له دلالات كبيرة فالتحقيق إذا ما قام على مبدأ القرينة سينتج دلائل قريبة الى الحقيقة ان لم يكن الحقيقة فعلا. هنا يتضح امرين:
الأول: ان ترمب فعلا جعل الاعلام الأمريكي والغربي بشكل عام خارج التغطية بتعتيم تام
الثاني: ان بعض قنوات الاعلام الامريكي قد حصلت على تسريبات لكن لم تكن بصالح الرئيس الأمريكي لدرجة خطيرة غير مسبوقة.
بعد الاجتماع
نشر البيت الأبيض تقريبا 4 صور للاجتماع ثلاث منها داخل المكتب البيضوي والأخيرة لجميع القادة خارج المكتب يقفون سوية، وكانت طبعا كالعادة محض تفسيرات انطباعية لا مهنية ولا تمت الى الواقع بأي صلة، فمحلل الصور يجب ان يكون له باع طويل في التصوير الاحترافي الدولي مع خبرة في تصوير الاجتماعات من هذا النوع حصرا وتسمى اجتماعات تاريخية.
فراح هذا يمجد بزعيمه ترمب (غالبية طبول ترمب الإعلامية وحتى غير المؤيدة له لكنها ضد اوروبا) وكيف انه يترأسهم وكيف انه يأمرهم كأستاذ وتلميذ (عقدة سيكولوجية للخوف من المدرسة او المدرس تسمى Didaskaleinophobia تصرخ هنا بامتياز) وهذاك يطبل لبوتين الخ من مهزلة فكرية وصحفية بكل ما اوتيت به كلمة المهزلة من معنى فهم يفسرون على مستوى ثقافتهم وميولهم السياسة لا وفق ما اظهرته الصورة التي لا يمكن لقادة أوروبا يتركوها تخرج إن كان فيها ولو مس من بعيد لمكانتهم.
سأعرج قليلا عن الأرضية التي تجعل من هب ودب يحلل بمزاجه لا بخبرة فهو لا يفقه شيئا لابعلم التصوير ولا بعلم النفس التحليلي ولا بالاستراتيجيات ولا حتى باللغة.
هي ثقافات بل عادات بالية اكتسبوها من حديث المقاهي الفارغ لقتل الفراغ وكذلك من وباء مواقع التواصل الاجتماعي التي ثبت علميا وعلى مستوى أكبر علماء النفس ان ما يسمى مواقع التواصل الاجتماعي لا سيما الفيسبوك وانستغرام خلقت قطيع اغبياء وسطحيين لدرجة التفاهة التامة هو الأكبر في تاريخ البشر ناهيك عن الخلق السيء والفاحش، فهي أي مواقع التواصل هذه أعطت مجال الكلام قبل التثقف والتعلم الصحيح لكل من هب ودب دون ان يبحث او يفهم كما كان سابقا فلا مجال لمراهق او حتى كبير بالحديث والنشر بشكل واسع ومجاني قبل ان يبلغ عمرا ونضجا عقليا معينا لكن فتح حساب مجاني وهو بعمر 9 سنوات جعله يقبع في هذا العمر عقليا الى ما بعد سن السبعين ان لم يكن الى الموت.
ثم راحت كبرى الصحف والقنوات الإعلامية الامريكية بل حتى بعض الاوروبية تتخبط في محاولة التحليل لدرجة ان قناة ضخمة وقديمة مثل سي ان بي سي و بولمبيرغ غرقت في وصف الأثاث في الغرفة أكثر من محاولة تحليل ما حدث او كعادتها تصف ماورد اليها من مصادر على صلة بالحدث كما يسموه في الاعلام الامريكي, بل ان مقالاتها عن الاجتماع اسهبت في وصف جو المكتب البيضوي وأين وكيف يجلس الزعماء لدرجة احتلالها 80% من كلمات المقالة والباقي حشو بأحرف الجر والعر دون محاولة حتى تحليل الصورة مهنيا وقد ... يكون علموا التحليل الصحيح للصورة فتمت محاولة التمويه والتعتيم لإخفاء كارثة رئيسهم المشلول!
ما لذي حدث؟
لننظر الى الامر قفزا الى النتائج كي نفهم ما حدث، فعندما يخرج شخص من غرفة ملطخ بدماء وهو دخلها نظيف إذا هناك من ضربه ثم نرى ان الدم يسيل من جرح غائر في رأسه فقط فنفهم انه تم ضربه على راسهم وليس على رجله، اليس كذلك؟
الرئيس الأمريكي ترمب لو نظرنا بوجهه في الصورة الملتقطة (مع خبرة مهنية مبنية على علم نفس تحليلي حصرا) سنجد ان تقاسيم وجهه تختلف تماما عما كان عليه اثناء قمة الاسكا بل عما كانت اثناء اجتماعه مع زلينيسكي بل حتى حركات جسده فوجهه يدل على الارتباك لا على الثقة والفرح بنتائج كما هو عادة يظهر عندما يحقق شيئا.
جلوس قادة أوروبا واروبا رهطا واحدا متراصين كحائط صد لا يبعد عن الطاولة التي يجلس عليها ترمب بأكثر من نصف متر له دلالة لا لبس فيها بانها وصل الى حائط عبوره يعني الموت، وهذه طرق أوروبية يعلمها المتبحر في الشأن الأوروبي منذ قيام أوروبا وليوما هذا. وليس كما اقنعت الابواق بأن قادة أوروبا يجلسون حول طاولة ترمب فشتان المعنى بين حول وامام. فلم يجلس أيا واحدا منهم مثلا على يمينه مباشرة او يساره كي يسمى حول والحول يجب ان يكون خلفه أيضا، فاين الحول الإعلامي هذا!
المصور كان يقف في زاوية لم تكن من قبل مطروقة في تصوير الرئيس الأمريكي في مكتبه ابدا فهو خلف كتفه الأيمن وهذا ينم عن انه تلقى أوامر بالتقاط الصورة من هذا المكان وليس من وحي الصدفة او تصرف شخصي غير محسوب.
لقد بحثت طويلا عن صورة تم التقاطها لترمب من نفس الزاوية من قبل اي اثناء جلوسه في البيت البيضوي من الخلف فلم أجد ابدا وهذا دليل قوي على ان زاوية التقاط الصورة معد مسبقا لإيصال رسالة والرسالة كانت أوروبية بحتة وفق ما كشفته تصريحات ترمب ووزير خارجية روسيا لافروف مباشرة بعد الاجتماع.
الصورة الملتقطة من خلف ترمب تبين بوضوح ان رقبته اختفت مع انخفاض الرأس وهذا لم اجده قط أيضا في أي صورة سابقة لدونالد ترمب فهو يجلس فخورا وبراس مرتفع وان اتكئ على مرفقيه فوق الطاولة لكن في الصورة راسه غائر بين كتفيه وهي حركة لا ارادية تصدر من الشخص عندما يواجه موقفا صعبا لا يحسد عليه يكون وضعه ليس بالأفضل من الذي امامه، مرة أخرى أتكلم عن علم نفس تحليلي وليس نعق عاطفي جاهل.
تم اجلاس المدعو زيلينسكي على يسارهم وليس على يمينهم وهذا عند الاوروبين والغربين بشكل عام يدل على ثانوية الأهمية والتبعية وهي إشارات مقدسة مقتبسة من الانجيل وليست اعتباطية.
نائب الرئيس الأمريكي فانس تبخر حضوريا لا جسديا، فلم يُسمع له صوت على الاطلاق وهو الذي كان يلعلع سابقا في كل صغيرة وكبيرة بل ان جلوسه في الخلف مع بعض أعضاء إدارة ترمب وخلف رهط القادة الاوروبين يعطي دلالات عميقة واضحة انه " ان حضر لا يُعد وان غاب لا يُفتقد" الامر أكبر منه بل حتى لم ينبس أحد من الادارة لاسيما فانس باي تصريح بعد الاجتماع وهذا يعكس هول الصدمة من التي تم تفجيرها بوجه ترمب.
عند تحليل الصورة يجب ان ينظر الى هل هناك صور أخرى تم التقاطها بنفس الوقت لأنها ستشكل شيء في علم التصوير يسمى story telling وهذا أيضا لا يفهمه إلا ذو باع في تذوق وتحليل الصور لفهمها جيدا فزاوية الصورة تقول الكثير وليس نقل جمادات واشكال لونية فحسب أي ان التصوير المحترف يجب ان ينقل الصور بصوتها الذي لا نسمعه كي يفهمها المشاهد، هذا ينبع من قول قديم ينسب الي الصين واشك في أصله " رب صورة خير من ألف كلمة "
فتسلسل الصورة الثلاث ينم عن إن الرسالة الأوروبية قد وصلت وليس العكس فترمب أوصل رسالته عن طريق اجتماعه ببوتين فهذا الاجتماع كان مرفوضا من الأوروبيين لكن الرسالة الواضحة في الصورة تنم عن انها رسالة أوروبية لترمب وللعالم وليس العكس.
لو كان لترمب فعلا اليد العليا في الاجتماع لهلل وطبل ورعد وازبد كعادته فهو إذا ما وقع امرا تنفيذيا سخيفا وبسيطا جاب رحاب الأرض بإعلامه كيف ان هذا الامر سيجعل المريخ مسكنا للبشر بعد أسبوعين فقط، هل نسينا طبيعة ترمب الإعلامية!
فلما لم يتكلم عما انجزه خلال الاجتماع على الاطلاق الى هذه اللحظة!
صرح وزير خارجية روسيا من موسكو فور انتهاء الاجتماع بين قادة أوروبا وترمب بان ترمب يتعرض لضغوط أوروبية ولم يقل ان ترمب تمكن منهم واذلهم او الخ من تحليلات ذات النوع الخرطي مبني على العواطف فهذا وزير خارجية دولة عظمى وليس صحفي ينعق بما يؤتمر به مع إطفاء تام للعقل.
اذن، زاوية التصوير فضحت الامر برمته، فالمُتقدم يتم تصويره من الخلف على انه يتقدم وليس العكس لكن هناك رهطا امامه وجوههم لا تعبر ولا تقول ولا تظهر أي مسرة ولا قبول ولا حتى صبرا او حنية بل بالمطلق المؤكد انها وجوه تحذيرية قاتلة. يفهمها من يعيش بالقرب منهم ومعهم لسنين لا من يراهم من خلال شاشات ابواق إعلامية تنعق لطويل العمر وحفظه الله ورعاه.
باشر ترمب بتصريحات تراجعية مباشرة بعد الاجتماع كلها تصب في مسار واحد:
فصرح انه لن يكون في الاجتماع بين بوتين وزلينسكي وهذا بكل تأكيد حسب أوامر أوروبية فهو قد طبل لهذا الإنجاز فلما تراجع عنه!
صار يقول ان بوتين قد لا يوافق على الاتفاق، على عكس ما كان يقوله قبل الاجتماع بأقل من 48 ساعة رغم ان بوتين لم يبد اي شيء من هذا الرفض بل كان إيجابيا تماما, أي ان ترمب بتصريحين فقط نسف كل ما أكده وقاله خلال أسبوع، أي قبل أيام من قمة الاسكا وبعدها بيوم.
خرج الجميع وتم اخذ اللقطة الأخيرة في صف واحد كتعبير بروتوكولي انهم حلفاء في نهاية الامر . . لكن!
وضع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يده اليسرى في جيبه، إشارة بروتوكولية أيضا لا لبس فيها، نحن رافضين.
صورة قرأت الجميع قبل ان يقرؤها
تحيتي
تعليقات