top of page

الروبل مقابل الغاز - خطة دفع أم خطة عسكرية !




فرض بوتين الروبل عملة لدفع فواتير الغاز على أوروبا وبالضبط على الدول الغير صديقة والتي وقفت موقفا عدائيا للعمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا, ليس لتقوية الروبل كما يحلله المحللون ويدعيه الغرب لا سيما بعد الحملة الإعلامية عن ان الروبل انهار وفقد ألف بالمئة من قيمته ولن يسترد عافيته والاقتصاد الروسي انهار و و الخ من دعايات لم يصدقها إلا ساذج (الروبل استرجع كل ما فقده بعد فقط 4 اسابيع من بدأ العمليات العسكرية).


لقد فرضت روسيا (هو قرار ليس فرديا وهذا شيء يجب ان نعيه فقد طرحه اعضاء في مجلس الدوما منذ اول ايام بدأ العمليات العسكرية الروسية الخاصة) فرضت الروبل لغرضين لا ثالث لهما, لكن قبل ان احلل هذين الأمرين يجب ان نعلم امرا مهما جدا يضعه القادة في الحسبان أثناء التحضيرات للحرب قبل دخولها بفترة طويلة.


روسيا لم تدخل الحرب لرفع قيمة الروبل فهو ليس عملة دولية وليس لروسيا اي طموح في جعله كذلك, روسيا لم تدخل الحرب دون ان تضع في حساباتها انها ستتعرض لعقوبات اقتصادية غربية بل توقعت حتى هجوم نووي وهذا ما كشفته روسيا بالفعل من ان قصر باكنغهام هدد بهجوم نووي عليها ولولا تهديد بوتين التاريخي بالرد بطريقة لن تتخيلها اي دولة تتدخل في اوكرانيا مهما كانت لفعلا تدخل حلف الشر (الناتو) عسكريا في اوكرانيا.


بدأت العمليات العسكرية في أوكرانيا حصرا لمنع حلف الشر (الناتو) من تطويق روسيا بواسطة النازيون الجدد وحكومة دمى يدعون انهم طلبوا الانضمام للحلف فافشلت روسيا خطة حلف الشر لإكمال الانتشار في أوروبا الشرقية وتشكيل طوق الموت حول روسيا وقد شرحت هذا عدة مرات بالأدلة الدامغة وعلى لسان قادة في حلف الشر, فليس لروسيا اي أطماع في اي دولة من الاتحاد الأوروبي او خطط لتطويق الاتحاد الأوروبي.


نرجع لموضوع الدفع بالروبل, فلو دفعت او وافقت أوروبا على الدفع بالروبل فهذا ليس ما تريده روسيا وتهدف له وستجد طريقة اخرى لتحقيق الهدف الأساس.


الهدف الأساس من فرض الروبل كعملة لدفع فواتير الاتحاد الأوروبي من الغاز هي لجعلهم يرفضون الدفع فيتم قطع الغاز عنهم تماما وهذا سيدمر اقتصاداتهم حتما دون تأخير, فلو أرادت روسيا ضرب حلف الشر (الناتو) عسكريا مباشرة فلن تستطيع فعل ذلك إلا بحرب نووية فلما هذه المجازفة المُدمرة لكل الأطراف واقتصاد أوروبا بأكمله قائم على الغاز والنفط الروسي والمعادن الروسية والمحاصيل الزراعية الروسية ؟


شن العمليات العسكرية الخاصة في أوكرانيا لم يكن قرار وليد اللحظة او قرار اتخذ جزافا من قبل فرد, هذا تهريج تطبل له أبواق حلف الشر حصرا في مشارق الأرض ومغاربها.


الحرب كانت متوقعة منذ فترة ليست بالقصيرة ومَن يدخل الحرب فهو يدخلها لتحقيق أهداف استراتيجية لا أهداف تصب في مصلحة بورصة العملات او رفع قيمة عملة محلية, لن ترتفع قيمة عملة بلد بسبب حرب بل لم يحدث هذا في التاريخ إطلاقا وان كانت هذه الدولة تنتصر في المعارك هذا مُحال وبعيد كل البعد عن الاقتصاد والتحليل المهني.


إيقاف الغاز عن أوروبا هو هدف روسيا فاذا فطنت أوروبا لهذا وبدأت بالدفع عندها سيحقق بوتين الهدف الثاني وهو تعويض اقتصاد روسيا عن اي اثر للعقوبات الغربية بل وسيجعل الاقتصاد الروسي اكثر انتعاشا مع أسعار الطاقة الجديدة, لكن روسيا ستظل تبحث عن تحقيق الهدف الرئيسي وهو ألإطاحة بالاقتصاد الأوروبي في هذه المرحلة بالذات وهنا تتلاقى مصالح روسيا والصين وهذه نقطة مهمة جدا بل هي عصب الصراع بين الشرق والغرب.


التحول بعيدا عن السوق الأوروبية


في عام 2012 افتتحت روسيا اكبر خط أنابيب لنقل النفط الخام بطول 4740 كم وبسعة 1.6 مليون برميل نحو أسواق آسيا وبالتحديد الصين واليابان وهو خط ESPO الذي بدأ يصبح اكبر شريان لروسيا حيث يجب ان نضع في الحسابات الحالية والمستقبلية ان النمو الاقتصادي في آسيا اكبر واسرع بكثير من الاتحاد الأوروبي اي ان السوق الأوروبي بالنسبة لروسيا ليس اهم من القضاء على توسع حلف الشر بل قطع دابره نهائيا.



هذا الخط كان لتنويع أسواق روسيا بل كان مقصودا به الابتعاد عن الاعتماد على السوق الأوروبية فروسيا كانت تعرف جيدا ما يُخطط لها وقد صرحت بهذا علنا ان الخط الأسيوي لتحقيق ذلك الأمر وهو خفض الاعتماد على السوق الأوروبية, حيث ان لروسيا خط أنابيب Druzhba لنقل النفط الخام إلى أوروبا بطاقة 750.000 برميل يوميا وهو اكبر شبكة أنابيب لنقل النفط الخام في العالم بطول يبلغ 5500 كم ويلبي 20% من حاجة أوروبا للنفط الخام بالإضافة إلى خط نورد ستريم الذي يلبي اكثر من 50% من حاجة أوروبا للغاز الطبيعي.


فهل انتهت قصة الغاز لهذا الحد ويجلس بوتين ينتظر كيف يرد الغرب عليه بعد ان وافقوا على الدفع بالروبل وقد فقد اهم سلاح وهو قطع الطاقة عنهم وهو الأمر الذي أطاح بهتلر؟


يجب ان نعلم ان قطع الإمدادات عن أوروبا سيلهب الأسعار لمستويات تاريخية ولن ترجع لمستويات ما قبل الحرب بل حتى مستويات أسعار اليوم الأمر الذي سيضخ المزيد في ميزانية روسيا والدول المنتجة للنفط والغاز ويثقل بل يدمر ميزانية واقتصاد الاتحاد الأوروبي بل حتى الولايات المتحدة فهي تلتهم ما تنتج ولن تنمو دون طاقة ولن تصدر للاتحاد الأوروبي إلا الفتافيت هذا ان تم التصدير فعلا فهذا مجرد إعلان مدفوع مسبقاً والحقيقة ان تصدير الولايات المتحدة الغاز لأوروبا اقرب للخيال منه للواقع, فالولايات المتحدة تستهلك اكثر من 90% من إنتاجها من الغاز والنمو الاقتصادي لها يتطلب مصادر طاقة والاتحاد الأوروبي إذا أراد بديل عن الغاز الروسي فسيحتاج إلى اكثر من 360 مليار متر مكعب من الغاز سنويا وهذا الحجم لا يتوفر في كل أسواق العالم حتى للعشر سنوات القادمة, فامريكا تنتج قرابة 900 مليار متر مكعب وتستهلك قرابة 870 مليار متر مكعب الان, فماذا ستصدر للاتحاد الأوروبي!


الإجراءات الروسية


في أيلول/سبتمبر 2021 ومع بداية موسم التدفئة بدأت روسيا بتقليل ضخ الغاز فعليا لأوروبا حتى قبل ان تملأ أوروبا خزاناتها الاحتياطية من الغاز لمستويات كافية (هبطت المخزونات في الاتحاد الأوروبي إلى مادون 30% من سعتها التخزينية وبمعدل 28% في اخر 5 سنوات نتيجة تقليل روسيا لتدفقات الغاز للاتحاد الأوروبي وفي تقرير لوكالة الطاقة الدولية ذكر ان مخزونات الغاز في الاتحاد الأوروبي قد تكون وصلت الآن إلى أدنى مستوياتها وهي قرابة 15% من سعتها التخزينية واقل من توصيات الوكالة الدولية للطاقة وهو امر خطير للغاية ), فقد انخفضت التوصيلات من خلال أنبوب الغاز بواقع 25% على أساس سنوي في الربع الأخير من عام 2021 بل ان التخفيض أصبح بإعلان روسي واضح في الأسابيع السبعة الأولى من هذا العام 2022 اي بانخفاض بنسبة 37% على أساس سنوي فعلى سبيل المثال تدفقات الغاز عبر خط أنابيب Yamal الذي يمر عبر بيلاروسيا الى المانيا كان اخرها في 20 كانون الاول/ديسمبر 2021 ثم أوقفتها روسيا كذلك التدفقات عبر خط أوكرانيا الى سلوفاكيا انخفض الى حوالي 36 مليون متر مكعب في الأسابيع السبعة الاولى من هذه السنة وهو اقل بكثير من المتفق عليه أصلا وهي 109 مليون متر مكعب يوميا, هذه هي كانت الإشارات الى ان روسيا تريد التقليل من الاعتماد على السوق الأوروبية وفعلتها فعلا قبل اندلاع العمليات العسكرية في أوكرانيا يوم 24 شباط/ فبراير وكما نرى بانها تريد فعليا أيقاف الغاز الان وليس بعد لما له من اثر في ضرب الاقتصاد الأوروبي في مقتل.


روسيا ستوقف الغاز عن أوروبا حتما (إلا في حالة استسلام حلف الناتو نهائيا دون شروط) لإنه سلاح ناعم فعال ومن يعتقد ان روسيا لا تريد أيقاف تصدير الغاز لأوروبا لأنه مصدر دخل كبير لروسيا فهو واهم، فروسيا كانت تستعد لشتاء طويل منذ اكثر من 10 سنوات بل ان ميزانيتها تستطيع تحمل توقف الصادرات بالكامل وليس فقط الصادرات لأوروبا.


لروسيا عقد استراتيجي مع الصين (اكبر اقتصاد في العالم وينمو باضطراد) لتزويدها بالطاقة طويل الأمد (25 عاما) الهند (خامس اكبر اقتصاد في العالم وسيكون الثالث خلال 5 سنوات) هي أيضا سوق ضخم الى جانب الأسواق الآسيوية الاخرى مثل اليابان (ثالث اكبر اقتصاد في العالم حاليا وسيبقى من اكبر 5 اقتصادات) واندونيسيا (اكبر الاقتصادات الناشئة وتتجه نحو ان تكون من اكبر 10 اقتصادات في العالم خلال 5 سنوات) بالإضافة إلى الأسواق العالمية الأخرى رغم أنها ليست بحاجة إليها فالسوق الأسيوي اهم لها من باقي الأسواق اي ان لروسيا بدائل عدة فهي مُنتج لا مستورد فما البدائل لدى الغرب وهم مستوردين اي تحت لسعات سياط المُنتجين!


لا بديل لهم سوى التلاشي، نعم التلاشي فاقتصادهم هش إلى درجة كبيرة والتضخم الذي ضربهم في مقتل خير دليل فهم من ناحية الموارد المعدنية وهي العمود الفقري لأي صناعة واقتصاد فقراء لدرجة الاستجداء فالإعلان ولو إعلاميا عن إيجاد بديل للغاز الروسي من الولايات المتحدة وكأنهم وجدوا اكبر حقل غاز في العالم داخل أوروبا وتظاهروا بالفرح لإيهام شعوبهم المتوترة لا يعتبر انتصار بل استجداء نعم استجداء فشركات النفط والغاز الأمريكية ليست جمعيات خيرية ولا منظمات إنسانيه.


لهذا فان روسيا تريد وقف الغاز الروسي الرخيص لأوروبا (تزود ألمانيا والاتحاد الأوروبي بأسعار تفضيلية منخفضة جدا عن أسعار السوق) كي تركع على ركبتيها وللابد لان بيع غاز روسي بسعر غالي أيضا سيرفع أسعار المنتجات الأوروبية وقد يُصّدروا هذا التضخم إلى الخارج وطبعا إلى روسيا والصين أيضا وهم ليسوا بهذا الغباء ليقعوا في هذا الفخ وهو مبدأ يعرفه جيدا طالب مبتدأ في اصغر كلية اقتصاد فكيف بمخططين محنكين ورؤساء شركات نفطية يتحكمون في مصير العالم.



تحيتي

١٨٥ مشاهدةتعليقان (٢)

منشورات ذات صلة

عرض الكل
bottom of page