top of page

في وحل صراع إدارة المستعمرات القديمة ضاع العرب



 


كان اللبنانيون على موعد غير سعيد يوم الثلاثاء الرابع من آب ٢٠٢٠ حيث انفلق مرفأ بيروت عن بكرة أبيه بانفجار لم تعرف اسبابه بعد نرجوا أن لا يأتي هذا الانفجار على ما حققه اللبنانيين منذ نهاية الحرب الاهلية عام ١٩٩٠ رغم المحطات المؤلمة التي مروا بها بعد ذلك مثل حرب تموز ٢٠٠٦ التي أدخلهم فيها حسن نصر الله وحزبه وليس لهم فيها لاناقة ولاجمل سوى ان اسرائيل ارادت ان تُبقي حزب الله على الخريطة بعد ان كاد يُنزع سلاحه فعلا في تلك السنة بتصويت على نزع سلاحه باغلبية برلمانية فتم انقاذه باخر لحظة كالعادة وحدث ماحدث بعدها من تغول لهذا الحزب على اللبنانين جميعا بل على السذج من العرب (وهم أغلبية فادحة) بحجة دفاعه عن لبنان و لاندري كيف اصبحت بضعة عشرات أمتار مربعة من مزارع مهجورة تمثل الوطن العربي كله من الخليج الى المحيط ورغم أن حسن نصرالله كاد يبكي من الهزيمة والنفق الذي دخله باعترافه في أول ظهور علني له من مخبأه بعد الحرب ويعتذر بشتى الطرق لمدة ساعة ونصف على الهواء دون ان تضربه طائرة إسرائيلية (معادية) تبعد اقل من ٧ دقائق من مكان القاءه الخطاب الذي اعترف فيه بأنه شخصيا السبب في هدمه لبنان!


نرجع الى كارثة المرفأ والتي تحيطها علامات استفهام لن اتطرق اليها كي لاندخل في مهالك نظريات المؤامرة رغم ان كميات نترات الأمونيوم المخزنة فيها خزنت بطريقة غير سليمة بل تدعو للريبة حيث لم يتم اتباع أبسط شروط التخزين المتعارف عليها دوليا بالاضافة الى تواتر المعلومات المُريبة عن كيفية وصولها للمرفأ رغم ان المستفيد من الشحنة ليس لبنانيا ولا حتى لبنان كان هو البلد المستورد اصلا او البلد النهائي للشحنة.


طار فجأة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى بيروت بعد اقل من ٤٨ ساعة من الانفجار تسبقه فرق الإنقاذ الفرنسية التي وصلت خلال ساعات قليلة لموقع الانفجار, وصل ماكرون وهو يحمل رسالة من ٣ كلمات " لبنان ليس وحده" والرسالة واضحة جدا بأن لبنان قد تم استهدافه من قبل الغير وتُرِكَ لوحده يعاني الانهيار بل سينهار كما هو مخطط له وقد يكون هذا الغير ليس من الداخل لكنه بالتأكيد ليس سهلا بل يلعب لعبة دولية كبرى.


لبنان ينتمي للمنظومة الفرانكفونية التي تتزعمها بل خلقتها فرنسا ( وضع الاسم هذا الجغرافي الفرنسي أونسيم روكولو عام 1880 بأنه مجموع الأشخاص والبلدان التي تستعمل اللغة الفرنسية في مواضيع عديدة وهي ٥٥ دولة كانت مستعمرات فرنسية بالإضافة إلى ١٣ دولة بصفة مراقب) وهي برايي اسم جميل مزوق وبديل لكلمة مستعمرات او توابع تدور في فلك السياسة الفرنسية الخارجية بشكل من الأشكال فكل دول هذه المنظومة كانت مستعمرات فرنسية ولن تدع فرنسا ان يتدخل احد غيرها في هذه الدول مهما كانت قوته او محاولة زعزعة امنها او خرقها لكن . . كبرى النار من مستصغر الشرر, أليس كذلك!


قبل كارثة المرفأ بأيام قليلة كان هناك زائر فرنسي آخر وهو وزير الخارجية الفرنسي لودريان الذي جمع خلالها الحكومة اللبنانية ولم يخفي اي شيء لا عنهم ولا عن الشعب او الاعلام حيث بين أنها قد تكون محاولة اللحظات الاخيرة قبل انهيار لبنان حيث قال بالحرف الواحد " لبنان بات على حافة الهاوية " وبيّنَ ان فرنسا مستعدة لمساعدة لبنان لكن بالشروط التي فرضها في مباحثاته مع الحكومة وهي شروط لم يعترض عليها بل أبلغها المجتمع الدولي ممثلة بالبنك الدولي (فرنسا عضو مؤسس وفاعل بل مسيطر على البنك الدولي) الى المفاوضين اللبنانيين في محادثات الإنقاذ التي فشلت بسبب الفساد الإداري والسياسي وقال لودريان في تصريح "الجميع يعرف المسار الذي يجب اتخاذه، وهناك وسائل للإنعاش. وفرنسا جاهزة لمرافقتهم بشرط أن تتخذ السلطات السياسية القرارات"


نستشف من تصريحاته الملزمة والحاسمة بان لا مساعدة ولا أموال روتينية سيكون مصيرها الى جيوب الفاسدين والمفسدين لا يخلو اعضاء حزب الله منهم وهو حزب مصنف إرهابي دولي والمساعدات الدولية لن تذهب لإرهابي مهما كان الأمر.


إذن الشروط قد تبدو تعجيزية بالنسبة للحكومة اللبنانية لكنها ذهبية للولايات المتحدة الأمريكية التي وضعت عقوبات مؤلمة ضد حزب الله الذي يسيطر على مصادر بنكية كثيرة داخل لبنان مما ادى لتفاقم الوضع الاقتصادي اللبناني الذي هو اصلا اقتصاد ركيك جدا بل هو في مهب الريح منذ ١٠ سنوات تقريبا الأمر الذي هز اقتصاد لبنان بسهولة حال إصدار عقوبات ضده من قبل الولايات المتحدة التي أدت بطبيعة الحال إلى تشديد سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه لبنان وذلك ضمن سياسة قطع اذرع إيران في المنطقة والتي يشكل حزب الله أقوى ذراع لها في المنطقة حيث ان حزب الله ممثل رسميا في البرلمان اللبناني بقوة لكن ليس بأكثرية.


اللبنانيين يحبون التعايش بسلمية مع اي فكر مختلف لكن المشكلة لا تكمن في اللبنانيين وأحلامهم وحقهم في بناء وطنهم قط بل في قوى خارجية وهي اقوى منهم لن ترحمهم فالسياسة مصالح وليست علاقات و أهواء واحلام عاطفية ومصالح الولايات المتحدة وبريطانيا اقتضت اسقاط نظام الملالي في إيران بأي ثمن كان فلن يكون للحلم اللبناني ممكن التحقيق والثعلب يحوم قريبا منه.


قد تكون زيارة ماكرون وآه من كلمة قد, قد تكون بداية الانفجار فقد جمع رؤساء عدة دول لتقديم مساعدة عاجلة لم يستطع خلالها من جمع أكثر من ٢٥٣ مليون يورو (٢٩٨ مليون دولار تقريبا) عبارة عن وعود وان تم الالتزام بها وتنفيذها فهي لن تبني حتى صوامع الميناء التي تبخرت في ثواني ولن ترمم منازل ٣٠٠ ألف لبناني تم تشريدهم بفعل الانفجار ينام غالبيتهم في الأماكن العامة او في بيوت بلا سقف بالإضافة الى الوضع الاقتصادي المأساوي لهم الذي برز فجأة نتيجة الكارثة يضاف إلى متاعب لبنان فحالتهم ملحة والمساعدات شحيحة والوعود بعيدة جدا وقد تبقى مجرد وعود كما عودنا المانحين وهذه المرة حجتهم معهم بأنهم يخشون ان تذهب المساعدات للايدي الفاسدة حيث يكمن الخطر في هذه المساعدات الطارئة أنها غير مشروطة باصلاح سياسي او جهة صرف لهذا المبلغ اي انها ستكون تحت تصرف الحكومة اللبنانية رغم انها تعتبر مبلغ ليس بالضخم.


لماذا هي بداية الانفجار!


جمع اموال لحكومة فاسدة للنخاع سينتهي المال هذا بطريقة ما لجيوبهم وبما أن الشارع يغلي ضدهم بل وصل حد الانفجار فقد يكون هذا المال مصدر ضغط آخر ضد الأحزاب لصالح الحراك الشعبي البركاني اذا ما بعثرته كالعادة ومن ناحية اخرى يعتبر مصدر جيد لتمويل صراع مسلح قد لا يتمناه الشرفاء كما حدث في تشاد عندما سلحت الولايات المتحدة الجيش التشادي الضعيف والفاسد وفي ليلة وضحاها هاجم تنظيم القاعدة هناك على مخازن الجيش واستولى على السلاح بعد معارك سريعة وبسيطة لم يتكبد فيها تنظيم القاعدة خسائر تذكر وكأن الولايات المتحدة لا تعلم بقوة وإمكانيات الجيش التشادي مقابل إمكانيات تنظيم القاعدة الارهابي!


تمويل بلد كلبنان هو الانتحار بعينه فلبنان ليس فقيرا لكن سُراقهِ كُثر ولبنان ليس معاقا لكن حكامه بلا استثناء أشرار فكيف تقرر الاطمئنان وأتمان مساعدات دولية تذهب لحكومة من هذا النوع؟

ان لم يكن هناك موقف دولي موحد خلال أيام (على الأقل توافق بين فرنسا والولايات المتحدة بعيدا عن حلفائها في المنطقة) للسيطرة على الوضع في لبنان فالهاوية هي المصير حتما بلا أدنى شك.


" تحركوا قبل أن تعم الفوضى" وماذا كانت النتيجة!


صرح ماكرون اثناء مؤتمر مساعدة لبنان بل صرخ بهذا والفوضى يعلمها جيدا ماكرون بان الشعب اللبناني قد طفح به الكيل وان انفجار مرفأ بيروت ليس هو المشكلة بحد ذاتها بل هو شرارة انفجار أكبر ناتج عن يأس مزمن من الوضع الاقتصادي في لبنان ومآسي أصابت اللبنانيين منذ أكثر من عقد ونيف, الانفجار فجر تراكمات مرعبة وخطيرة لن يصلحها مبلغ (سيشفطه) حزب الله وباقي الأحزاب (الحريري على سبيل المثال لا الحصر يملك اكبر شركة مقاولات في لبنان تفيد الإخبار بانها تعاني مشكلات مالية جمة وقد أغلقت بالفعل فرعها في السعودية بعد إفلاسه) بعقد واحد فقط ويترك الشعب يلاقي مصيره فرغم تعهد ماكرون بأن المساعدات لن تذهب للفاسدين لكن هذه تصريحات فارغة فهل سينصب ماكرون أكشاك في شوارع بيروت لتوزيع المساعدات على الناس أم سيقول للشركات اللبنانية اغلقوا الابواب وسنأتي بشركاتنا كي تبني لبنان, أي هراء هذا !


المساعدات هذه او أي مساعدات مستقبلية ستذهب بلا أدنى شك للفاسدين ما دامت نفس العصابة مستوطنة لبنان سواء انهارت الحكومة وتشكلت غيرها بوجوه جديدة رغم أن لا وجوه جديد فكل من سيأتي يده ملطخة بطريقة ما أما بدم لبناني او سرقة أموال الشعب وكل الذين يسيطرون على مكامن لبنان الاقتصادية والعمرانية هم جلهم من الطبقة الفاسدة فحتما ستذهب غالبية أموال المساعدات لأيدي فاسدة وطبعا ستجد طريقها لجيب حزب الله الذي لا يستثمر إلا في مصلحة أهداف إيران حصرا.


فرنسا مصرة على ان تحتفظ بلبنان المستعمرة القديمة وهذا ما يرعبها فهي تتابع عن كثب خاصة في السنتين الأخيرتين محاولات الولايات المتحدة لهدم لبنان على رأس حسن نصر وحزبه فقد فعلتها من قبل لتنفيذ خططها ولعل احتلال العراق كان ابرز الأمثلة حيث عندما عجزت عن إسقاط نظام صدام حسين بانقلاب أو انتخابات ذهبت بنفسها واقتلعت النظام بل ودمرت العراق عن بكرة أبيه ولم تكترث بل لم يرف لها جفن وتصرح دائما بأن كل شيء يسير جيدا في العراق كيف لا وهي من وضعت خطة كل شيء وبالفعل ما يحدث في العراق هو حسب الاهواء الامريكية وليس حسب طموحات الشعب العراقي وها هي تنوي فعل نفس الشيء في لبنان بل يبدو ان خطة ما يجري تطبيقها فالأرواح لا تهمها كثيرا مادام الهدف الكبير هو الأهم فلن تدع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة ان تسيطر إيران هناك لان إيران معناها روسيا ومن ثم الصين فكيف ستسلم بهذا !


من ناحية اخرى لا ولن ترضى فرنسا التضحية بلبنان بعد خسارة سوريا وفعلا صرح ماكرون يوم مؤتمر مساعدة لبنان بأن العقوبات الأمريكية على لبنان تأتي بنتائج عكسية ولا ادري عكس ماذا هل عكس مصلحة فرنسا او عكس مصلحة اللبنانيين الذين أصبح مصيرهم في مهب الريح حيث قال هذا للرئيس الأمريكي دونالد ترمب!


ماكرون حادث الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لرفع العقوبات ضد حزب الله وذكرها علنا وهو الأمر الذي لن يكون لماكرون بكل تأكيد.

الإصرار الأمريكي على قطع اذرع إيران في المنطقة لن يكون سهلا ولن تقبله فرنسا والاتحاد الأوروبي الذين يصارعون من أجل البقاء في هذه المرحلة, الاتحاد الأوروبي الذي يريد دائما شرق أوسط مختل و مهتز لكن كل طرف يريد اختلال حسب مقاييسه ومصالحه فمن سينجح إذن في قص وتصفيف هذه المنطقة حسب مزاجه السياسي, أوروبا متمثلة في فرنسا ام بريطانيا متمثلة في الولايات المتحدة؟


ليس بالأحلام والشعارات تبنى الأوطان يا عرب او مستعربين بل فعلا بالتخطيط السليم وسبر غور شعبة المصالح الدولية للولوج من أوسع أبوابها لا أن نخرج من أصغر شبابيكها.


يقول أمير الشعراء أحمد شوقي


وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا

 وَما استَعصى عَلى قَومٍ مَنالٌ إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُمْ رِكابا



تحيتي










٤٣ مشاهدةتعليق واحد (١)

منشورات ذات صلة

عرض الكل
bottom of page